وجه الحوثي المنافق في غزة .. في حصار تعز لا يغفل اليمنيون عن معايير الحوثيين المزدوجة
الخميس 18 أبريل ,2024 الساعة: 04:57 مساءً
الحرف28 - سلمان المقرمي



منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حولت حركة أنصار الله تركيزها من الحرب الأهلية اليمنية ومحادثات السلام البطيئة مع المملكة العربية السعودية إلى القيام بعمليات بحرية في البحر الأحمر وخليج عدن. ومنذ ذلك الحين، أعلنت الجماعة، المعروفة باسم الحوثيين أنها ستستهدف فقط السفن المتجهة إلى إسرائيل أو الآتية منها. وكان الهدف المعلن هو الضغط على تل أبيب لوقف "العدوان" على غزة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع الساحلي الفلسطيني. ومع ذلك، فإن عددًا لا يُستهان به من السفن المستهدفة ليس لها أي صلة واضحة بإسرائيل.

علاوة على ذلك، وردًا على الغارات الجوية البريطانية والأميركية المستمرة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون والتي بدأت في يناير/كانون الثاني 2024، قامت الجماعة اليمنية بتوسيع قائمة أهدافها لتشمل أيضًا السفن الأميركية والبريطانية.

في الواقع، ولدت الهجمات البحرية ردود فعل متباينة. فعلى الرغم من أن الدعم المعلن للقضية الفلسطينية قد حظي بمباركة الكثيرين في جميع أنحاء المنطقة وخارجها، إلا أن الكثير من اليمنيين لا يصدقون رواية الحوثيين. 

في الواقع، لجأ الكثيرون في اليمن إلى وسائل التواصل الاجتماعي لانتقاد ما يعتبرونه نفاقًا من جانب الجماعة وراحوا يعقدون مقارنات بين الحصار الإسرائيلي على غزة والحصار الذي يفرضه الحوثيون على تعز، وهي محافظة مركزية متنازع عليها وتخضع لحصار جزئي من قبل مقاتلي الحركة منذ عام 2016.

وفي هذا السياق، يشكك الكثير من اليمنيين في صدق الحوثيين في منطقهم بحجة أن الهجمات البحرية يمكن في الواقع أن تكون استراتيجية تريد الجماعة من خلالها صرف الانتباه عن الوضع الاقتصادي المتدهور في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
 

اختبار للمزاعم الأخلاقية

منذ البداية، برر الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن بإعلان أن مثل هذه الأعمال هي دعم للمدنيين الفلسطينيين. وربما تكون الجماعة قد حسبت أن هذا من شأنه أن يكسبها تعاطفًا كبيرًا بين اليمنيين، الذين عُرف عنهم دعمهم التاريخي للقضية الفلسطينية. في الواقع، على الأقل في البداية، لاقى هذا الموقف استحسان البعض في اليمن، وخاصة في ضوء التقاعس الواضح عن حرب غزة من جانب الدول العربية. ومع ذلك، يبدو أن السحر قد انقلب على الساحر.

واليوم، بعد أن أصبح الحوثيون في دائرة الضوء العالمية، اكتسب الوضع في تعز اهتمامًا متجددًا. ومن خلال حملة بعنوان "افتحوا الطرقات"، لجأ ناشطون يمنيون إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على أوجه التشابه بين الحصار الإسرائيلي على غزة والحصار الجزئي الذي يفرضه الحوثيون على المحافظة الوسطى. ويحث الناشطون الحوثيين على إظهار نفس المستوى من التعاطف مع الناس في تعز كما يفعلون مع الفلسطينيين في غزة من خلال إعادة فتح الشرايين الرئيسة في المدينة اليمنية والمناطق المحيطة بها. وقد تسبب إغلاق الطرق في معاناة كبيرة للمدنيين وأدان المسؤولون الحوثيون حملة "افتحوا الطرقات" باعتبارها حملة أميركية تهدف لإجبار الجماعة على إنهاء العمليات البحرية.


ووسط التركيز المتجدد على تعز، أصبحت النقطة المحورية للاحتجاجات ضد الحوثيين التي حمل المتظاهرون فيها لافتات كتب عليها "من يحاصر تعز لا يمكنه كسر الحصار الإسرائيلي على غزة". وما انفك الصحفيون اليمنيون يغطون الصعوبات التي يواجهها المدنيون المحليون، الذين يضطرون إلى سلك طرق بديلة وخطيرة عبر التضاريس الصخرية المليئة بالألغام. بالنسبة لأولئك المطلعين على السفر إلى مدينة تعز أو الخروج منها، أو المقيمين فيها، فإن انتقادات الحوثيين للحصار الإسرائيلي قد أضافت أبعادًا إضافية بالنظر إلى أن الجماعة يُنظر إليها على أنها متواطئة في سياسات مماثلة داخل اليمن.

وتقول الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والكثير من المدنيين العاديين إن الحوثيين يهدفون إلى خنق مدينة تعز اقتصاديًا لإضعافها والحفاظ على سيطرة ومراقبة مشددة على المجتمعات المجاورة. ووفقًا لهذا المنطق، لم يكن الحوثيون جادين أبدًا بشأن إعادة فتح أي طرق خلال المفاوضات الماضية.

في الواقع، لطالما شكل إغلاق الطرق نقطة شائكة في محادثات السلام بين الحوثيين والحكومة اليمنية. فحتى الآن، لم تحقق جميع المفاوضات التي قادتها الأمم المتحدة لحل الصراع الكثير. ففي مايو/أيار ويونيو/حزيران 2022، اجتمعت الأطراف المتحاربة في عمّان بهدف تخفيف القيود المفروضة على الجماعة في اليمن. جاء ذلك في أعقاب الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة والتي تم تطبيقها في وقت سابق من ذلك العام. لكن المحادثات سرعان ما تعثرت. وقد عُقدت مناقشات مماثلة في مدينة الظهران السعودية في عام 2016 وخلال محادثات السلام التي استضافتها السويد في عام 2018. ولم تؤد أي من هذه الجهود إلى إعادة فتح الطرق بشكل دائم. علاوة على ذلك، لم يتم تجديد الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة.

فرصة للحكومة اليمنية

سارعت الحكومة اليمنية إلى الاستفادة من الحملة التي يقودها الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي لإعادة فتح الطرق في تعز. فقد أعلن سلطان العرادة، محافظ مأرب وعضو المجلس القيادي الرئاسي، في 22 فبراير/شباط، عن إعادة فتح طريق رئيسي بين مأرب والعاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون. ويبدو أن الهدف من ذلك كان حثّ الحوثيين على فتح الطريق من جانبهم أيضًا، لكنهم لم يفعلوا ذلك. وبالمثل، ذكرت لجنة تابعة للحكومة اليمنية، في 2 مارس/آذار، أنها ستفتح طريقين من تعز؛ أحدهما يؤدي إلى صنعاء والآخر إلى الحديدة. في نهاية المطاف، يمكن أن تكون هذه الإعلانات جزءًا من جهد تقوده الحكومة لتسليط الضوء على المعايير المزدوجة للحوثيين أمام المجتمع الدولي.

وخلال الفترة نفسها، فتح الحوثيون بعض الطرق في المناطق التي يسيطرون عليها. وتشمل هذه الطرق طريقًا يربط الجزء الذي يسيطر عليه الحوثيون في محافظة تعز مع منطقة لحج التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي. كما كانت هناك محاولة لإنشاء طريق فرعي يربط مدينة تعز بأجزاء من المحافظة التي يسيطر عليها الحوثيون. لكن اليمنيين العاديين والمسؤولين الحكوميين انتقدوا هذه الجهود، زاعمين أنها تخدم في المقام الأول المصالح العسكرية للحوثيين وأنهم لم يفعلوا الكثير لتخفيف معاناة المدنيين في مدينة تعز.

ويقول الحوثيون إنهم يعملون أيضًا على فتح جزء من طريق العبور الذي يربط صنعاء بمحافظة الضالع التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي. ويعتبر المجلس الانتقالي الجنوبي هذه الجهود مجرد تكتيك دعائي، ويتهم الحوثيين باستخدام إعادة فتح الطرق لوضع أنفسهم في موقع استراتيجي من العمليات العسكرية التي سينفذونها مستقبلًا في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

وفي هذا السياق، أدان المسؤولون السياسيون الحوثيون حملة "افتحوا الطرقات" باعتبارها جهدًا تقوده الولايات المتحدة لإجبار الجماعة على التوقف عن دعم الفلسطينيين من خلال إنهاء عملياتهم البحرية. 

ماذا بعد؟

من المثير للاهتمام أن حملة وسائل التواصل الاجتماعي التي تدعو لإعادة فتح الطرقات تأتي في وقت يجد فيه الحوثيون أنفسهم تحت المجهر بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي يسود المناطق التي يسيطرون عليها، لا سيما في ظلّ استمرار عدم دفع الرواتب. وعلى هذه الخلفية، يشير بعض المحللين إلى أن الهجمات البحرية التي تضعها الجماعة في سياق الدعم المعلن لغزة هي مجرد وسيلة إلهاء عن صراعات الحكم في الداخل.

وفي نهاية المطاف، سلطت حملة "افتحوا الطرقات" الضوء على المشاعر العميقة المعادية للحوثيين في أجزاء كثيرة من اليمن، بما في ذلك المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة. ويرفض الكثير من اليمنيين ما يعتبرونه استغلالًا للقضية الفلسطينية لتبييض صفحة الحوثيين.

أمّا عن المسار المستقبلي، فدونه الكثير من التحديات. ففي حين أثبت الحوثيون قدرتهم على إبراز القوة في البحر، فإن الاهتمام يتحول الآن نحو قدرتهم على الحكم وتقديم الخدمات. وعلى الرغم من ادعاءات الحوثيين بأن عملياتهم البحرية عززت قاعدة دعمهم، إلا أن تحركات الناشطين والاحتجاجات وحملات وسائل التواصل الاجتماعي التي تأجّجت في الأشهر الماضية تشير إلى أنّ ليس الجميع راضيًا عن تصرفات الجماعة. فبعد سنوات طويلة من الصراع الدموي، يتطلع اليمنيون أولًا وقبل كل شيء إلى رؤية تحسن في ظروفهم المعيشية في وطنهم.


Create Account



Log In Your Account