لحظة يازمن
الأحد 21 أبريل ,2024 الساعة: 08:32 صباحاً

لحظة يازمن، قلة هم الذين يخاطبون الزمن ويتحدثون مع الأيام والدقائق بتأمل في محاولة لتوقيف الزمن لحظة واحدة على الأقل  ليرد الانسان أنفاسه ويتوقف عن الجري واللهث مع الزمن الشارد، الذي لايتوقف ولايتعب  ولايرحم من معه، ولا يعمل اعتباراً لشىء مثل العاطفة  الحب والحزن والأحلام  وغريزة البقاء مثلاً.

بقى محمد المساح يصرخ بالزمن كل يوم: (لحظة يازمن ) سنوات على صحيفة الثورة  مردداً دون توقف، أن ( لحظة يازمن)!
لو سمحت إسمعني شوية طيب ؟
إرحمني وتوقف لحظة أشم فيه أنفاسك وأرى حقيقة ملامحك شديدة الشرود، لكنه الزمن لايسمع أحداً ولايلتفت لتوسلات العاشقين ولا لتنهدات الأمهات،
يمضي كالسيل هادراً، سريعاً آخذاً معه كل من وجده أو سقط على طريقه.

(لحظة يازمن) لم يكن عنواناً لعمود صحفي  بقدر ماكان تكثيفاً فلسفياً يحمل الكثير من المعاني.

لم يجد المساح استجابة، لا من الزمن،  لا من الناس، حتى رفاقه لم يسمعوه ولم يفهموه، فهم في سباق دائم  مع الزمن يصارعون طواحين الهواء ويطحنهم الحنين المعلوم والمجهول   ويبنون قصوراً من وهم كعادة الإنسان الذي يعيش في غيبوبة حتى إذا ما مات انتبه.
حينها يتوقف به الزمن يركله خارج الحياة أعني خارج دائرة الزمن المستمر في الجريان ويترك كل واحد وشطارته وعمله وإدراكه  لسر الزمان ودورانه وسر الروح وأنوارها، والموت والحياة والناء والبقاء   وحقائق  الخلود والزوال. 
كان المساح وهو يصيح (لحظة يازمن) يهرب من الزمن الزائل، باحثاً  عن الخلود وتلك خاصية الإنسان وتفرده.

نزل المساح من العاصمة تاركاً عموده في الثورة لينهي صراخه اليومي  للزمن بعد أن تأكد أن رياح الزمن تمشي عكس ماتشتهي  سفن الخلود، 
فخرج ليعيش في قريته راعياً للأغنام، مزارعاً في الأهواب وللعلم الرجل لم يتغير في شكله وطباعه، فقد كان ذلك القروي الذي يمسك قلماً في كبرى صحف العاصمة  ليطارد الزمن  راجياً منه تحقيق طلباً واحداً ؟  أن يقف لحظة ليسأله سؤالاً  ما أو يتمعن و(يبهرر) في وجهه الطائر لعله يجد إجابة دون جدوى.
 
وفي مساحة (لحظة يازمن) شربنا القهوة ونحن نسمع بشغف صوت ( جارة الوادي) وتعلم الكثير بعض فنون الكتابة والسرد القصير والألغاز الرشيقة، تعلوها نكهة الحزن والحيرة الذي يلف وجه الزمن والإنسان. 
رحل محمد المساح كما هو، قروي بسيط دون بهرجة أو ضجيج لكنه كان يحمل قلماً شديد التأمل.

مات المساح بجانب غنماته، قريباً من بقرة الجيران وبجانب شجرة السدر والحنى ونباتات الخوعة والضومر  وفاجي السوم. 
مات وكل حي يموت 
(وكل ما هو آت آت و كل غائب عائد وكل حي ميت ).
رحم الله محمد المساح الذي طارد الزمن كي يقف لحظة، فلم يفعل لكنه هو من فارق الزمن ليذهب إلى حياة لا جريان فيها للأيام ولاشروداً للزمن ولا دقائق تلهث نحو الزوال،حيث يفنى الفناء ويموت الزوال. 

رحل إلى دار البقاء حيث  وجه الله ورحمته التي وسعت كل شيء.


Create Account



Log In Your Account