نيسان و"مطرة" نيسان ومهرجان "الشضوية" السنوي
الجمعة 26 أبريل ,2024 الساعة: 04:17 مساءً


في الثالث عشر من هذا الشهر، أبريل،حلَّ شهر نيسان، إذ تبدأ الأشهر الزراعية في ال ١٣ من كل شهر ميلادي ويسمى هذا الحساب عند المزارعين "دخال" وتنتهي في الثاني عشر من الشهر الميلادي الذي يليه،
ويعتبر نيسان إيذانٌ ببدأ موسم الخير والزراعة والبذر "الذري".

ونيسان شهر يستبشر به المزارع، وتنتعش فيه جميع الكائنات، يظل فيه المزارع يترقب هطول المطر ووقوع "مطرة نيسان"، كما يسميها مزارعو عزلة القريشة جنوبي محافظة تعز ، ويطلق عليها ذلك الاسم ربما لتمُيزها عن غيرها، بكونها غالبا الوحيدة والأولى من حيث الغزَارة خلال شهر نيسان، والتي تأتي بعد طول انقطاع ، وقد يسقط المطر أكثر من مرة خلال هذا الشهر لكنه لايكون غزيراً ولا يُشبع الأرض، أما "مطرة نيسان" فترتوي بها الأرض وتمتلئ منها المدرجات الزراعية "الأحوال" بالماء، لتشكل صفحات الماء عليها لوحة ربانية بديعة أشبه بالمرايا المتكسرة، 
وقد يصل الأمر أحيانا من شدة غزارة هذه "المطرة" إلى أن "يكْتَسر كل حول لاخوه"، أي يفيض و"يقفز" الماء "للحول" الذي أسفل منه، لكون الأرض الزراعية عبارة عن مدرجات،  
فترتوي الأرض بهذه "المطرة" للمرة الأولى في الموسم الجديد، وليس بالضرورة أن تحدث هذه المطرة في كل نيسان من كل عام..

ويفضل المزارع أن يتأخر نزول القطر إلى آخر نيسان، أي قبل حلول وقت البذر بأيام معدودة أو مع حلول وقت البذر حتى تكون الأرض مازالت محتفظةً بالرطوبة المناسبة للإنبات، وقد كنت اسمع جدتي لأبي، رحمة الله عليها، تقول" إذا قَدَمْ المطر،تأخر الموسم"
أي إذا نزل المطر في وقت مُبكّر من نيسان، تأخر موسم الزراعة، لأن وقت البذر يحلّ وقد جفت الأرض، الأمر الذي يجعل المزارع يُحْجم عن "الذري" إلى حين هطول المطر ، والبعض يبذر الأرض وهي جافة لكن يتأخر أيضا إنبات الأرض حتى يهطل المطر، ويكون في ذلك مجازفة لأن الحب أقصى مدة يصمد فيها تحت التربة وهي جافة حوالي أسوبعين، وفي حال لم ينزل المطر خلال هذه الفترة، يفسد الحَب "يخيس" مم يضطر المزارع للبذر مرة أخرى، وهذا معناه تكبيد المزارع خسارة هو في غنىً عنها ..

وهنا يستوقفني ويثير إعجابي شيء، وهو قدرة المزارع على التنبؤ بالطقس وأحواله!!
 والمعرفة التي أصبح يستطيع معها التنبؤ بالمطر ووقت هطوله، ومعدل تكراره!!

وربما كان ذلك عائداً لمعرفة متوارثة أباً عن جد، وتراكمت تلك المعرفة وخَبرها كذلك المزارع بالملاحظة المتكررة لطقس يكرر نفسه كل عام، تتكرر فيه المواقيت والأيام والظواهر ذاتها، الأمر الذي ساعده في الإحاطة بالطقس ومتغيراته البسيطة، 
فإذا حدث المطر مبكرا في شهر نيسان، كان ذلك مؤشرا على تأخر الموسم ووقت البذر، لأن المطر لن ينزل في القريب العاجل وسيتأخر إلى حين!! 

ومن أبرز الظواهر في نيسان أيضا هي خروج "الشضوية" وهي النمل الأبيض أو "القَدئة" باللهجة الريفية ، إذ تخرج من مستعمراتها بكميات كبيرة مع أول هطولٍ للمطر وتحت ظروف محددة، يكون المطر فيها كافيا لتشعر "الشضوية" به أو برودته، وأعقب ذلك سطوع للشمس يشعرها بدفئ الخارج، عندها يفتح الحراس المستعمرات ويتموضع "العَجَاهم" حول البوابات لتحلق "الشضوية" في الجو بأعداد كبيرة، ليبدأ المهرجان السنوي البهيج الذي يخرج معه الأطفال لمطاردة وجمع "الشضوية"، تشاركهم في ذلك بعض من الطيور، 
ليتم فيما بعد قليَها وأكلها، باعتبارها مصدرا غنيا بالبروتين، كان يتزود منه أجدادنا مع ظروف الجوع والفاقة التي كانوا يعيشونها فيما مضى..
 وقد يتكرر خروج "الشضوية" وهذا المهرجان أكثر من مرة حتى تكون جميع المستعمرات قد أخُليَت من "الشضوية" ويحدث هذا خلال نيسان فقط..

هذه "الشضوية" التي تخرج، من يسلم منها تبدأ بالحفر في الأرض وتضع بيضها، وتتحول إلى ملكة بمستعمرة مستقلة وجديدة. 





Create Account



Log In Your Account