عن الدم المهدور في السويد وكذبة الجوع
السبت 15 ديسمبر ,2018 الساعة: 08:00 مساءً

انفضت مشاورات السويد باتفاق غير موقّع. وبدأت علامات التباين حول اتفاق اللاتفاق.

لن نتطرق الى جانب الانقلابيين الحوثيين فليس متوقعا منهم غير نكث العهود والوعود والكذب حتى في حقيقة جلية كالشمس.

 

يتضح جلياً الارباك في صفوف الشرعية من تصريحاتها المباشرة التي تبشر بفوز لا اثر له او تغريدات ومنشورات كبار أعضاء الوفد الحكومي المشارك.

 

تارة يدارون الفضيحة بالتعلل بالضغوط الدولية والإقليمية وهم يقرّون سلفاً بخطأ ما صنعوه هناك ووقوعهم في شرك اكبر منهم وذهنياتهم التفاوضية من ناحية. وهم كذلك يناقضون تصريحات أخرى لهم تجعل حصيلة المشاركة في السويد انتصارا من ناحية أخرى.

 

وهذا الارباك ما كان ليحصل في بعض أمور:

أولاً: الذهاب بأهداف واضحة كلية وتفصيلية من المشاورات الغرض منها الحفاظ على المكتسبات العسكرية وتثبيتها سياسياً وفرضها كأمر واقع تكريماً للتضحيات والدماء التي سكبت من أجل انجاز هذا الواقع. ثانياً، التأكيد على الانخراط في العملية السلمية من موقع المقتدر الجاهز. ثالثاً، الحرص على معالجة الجوانب الانسانية وتحقيق تقدم في هذا الجانب.

 

رابعاً، إثبات اتخاذ مسافة آمنة من الحليف الاقليمي والقوي الدولية تتيح للفريق الحكومي أن يجعل ثمن المقايضات الاقليمية بين الفاعلين الإقليمين والدوليين ضمن حساباتهم الخاصة أقل وطأة وثقلاً وضرراً على القضية اليمنية. وهذا لم يحصل.

 

لكن فريق التفاوض الحكومي ذهب وفِي ذهنه جملة واحدة هي المقصود والمراد وهي الحفاظ على المرجعيات.

 

وهكذا تمسك الفريق الحكومي بهذه التميمة التي فقدها في الثنايا وتنازل عنها طوعا وأهان تضحيات الجنود في الساحل الغربي.

 

تشيع المملكة العربية السعودية انه لولا جهودها (ضغوطها) وتاثيرها على الوفد الحكومي ما تم هذا الاتفاق. وهذا أمر لا يمكن التشكيك فيه لامكانية ومعقولية حدوثه. وتعلن أيضا أن الحوثيين قدِموا إلى طاولة المفاوضات كنتيجة للتقدم العسكري الذي فرضه التحالف والقوات اليمنية في الحديدة.

وتكرّر بعدها الأقلام والأفواه اليمنية الرسمية هذا القول بكل براءة وتناقض.

 

والحقيقة، لو كان الامر كذلك لأنجزت اولاً اهم نقاط جدول الاعمال في المشاورات التي عقدت في الأصل كنتيجة لتدهور الحال الانسانية في اليمن وهذا لم يحصل فيه اي تقدم غير ارتفاع تقدير الامم المتحدة لفاتورة الاحتياج للعام القادم. هنيئا لها بهذا المبلغ الذي ستحصل عليه من خلال حملات انسانية إعلامية ممنهجة.

ثانيا، لتجلت قدرت الحسم العسكري من طرف الحكومة في الحديدة بانسحاب الحوثيين وتولي الحكومة إدارة ميناء الحديدة بكل وضوح ودرءً وصوناً لدماء الحوثي وجنوده الهالكين المحاصرين في الحديدة. وهذا أمر لم يتحقق بل العكس تماماً. بدلاً من تثبيت السيادة الوطنية استقدمنا قوات إشراف اممية تحرم الحكومة إمكانية الحسم العسكري فيما لو تخلف الحوثي وتراجع عن تطبيق الاتفاق المزعوم.

 

إنه بيع للوهم في الانتصار العسكري والسياسي.

 

والآن ستتحرك معركة الشرق قليلاً نحو صنعاء وتتقدم الجبهات العشر المفتوحة في طول البلاد وعرضها وسيتداعى المجتمع الدولي لإيقاف المعركة وإحضار الحوثي إلى الجولة القادمة وتوقيع اتفاق لا يقل غباءً عن اتفاق السويد وستعلن الشرعية أن الحوثيين استجابوا لتحركها وتحت ضغطها العسكري وامتثلوا. وطبعا لن تعلن الا بعد ان يبدأ التحالف بترويج هذا الوهم.

 

لن يسلِّم الحوثي سلاحه ولن يتحول الى حزب سياسي ولن تتم عدالة انتقالية ولن سيحصل شيئا وفقا للمرجعيات.

 

الخلاصة التي تفرض علينا هي القبول بالحوثي بقضه وقضيضه وعقيدته وسلاحه شريكا للجمهورية وحاكما ضمنا كما أراد من البداية. وفِي احسن الاحوال العودة الى اتفاق السلم والشراكة وخلق ثلث معطل سياسيا في الحكومة وميليشيا افضل من جيش الدولة.

 

جولة السويد بنتائجها المؤلمة لا تحسب للحوثيين ونباهتهم وعبقريتهم التي يحاول البعض منحهم صفات لا يستحقونها ولكن الى استعجال الإرادة الدولية في "كلفتة" الملف اليمني واستمرار معاناة الشعب وفرض الحوثية كأمر واقع لا يخدم السلم والاستقرار في اليمن او في المنطقة.

 

وأعجب ان البعض يفسر نتيجة هذا التحرك الاممي حفاظا على القدرة التشغيلية لميناء الحديدة وتسهيلا للمساعدات ومعالجة الوضع الانساني.

بل العكس تماما. استمرار سيطرة الحوثي على الميناء يطيل عمر الحرب من ناحية ويسمح بالتلاعب بالمساعدات وايضاً لا يستجيب لعتب المنظمات الدولية على التحالف بعرقلة وصول السفن الى الحديدة بحجة آليات الرقابة.

هذا الوضع يميّع حقيقة المتسبب في الكارثة من خلال تبادل الاتهامات بين الحكومة والحوثيين. بالتالي لا يتحمل التحالف كامل المسؤولية كما تدعي المنظمات.

 

بل لو كان ميناء الحديدة قد صار كليا الى الحكومة فلن يكون هناك مبررا لاستمرار التحالف في تشديد الرقابة على السفن وإطالة الوقت اللازم للسماح لها بالرسو. وسيتحمل التحالف ومعه الحكومة كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية ولن يجدوا مبررا لمنع السفن او عرقلتها وسيتضح فيما بعد من المتسبب بهذه الأزمة الانسانية ولحديث المنظمات وجاهة ومصداقية.

 

*نقلاً عن صفحة الكاتب في فيسبوك


Create Account



Log In Your Account