قادري احمد حيدر والتاريخ السياسي للثورة والدولة في اليمن
الأحد 03 فبراير ,2019 الساعة: 07:49 مساءً

بإصداره كتاب " الصراع السياسي في مجرى الثورة اليمنية وقضية بناء الدولة ـ 1962 ـ 1963 الى 1990" يكون قادري احمد حيدر قد انضج ملامح مشروعه الكتابي الهادف الى إعادة قراءة التاريخ السياسي والثقافي للثورة اليمنية ، في جوانبه المعلومة او تلك المسكوت عنها " المغيبة"، بشكل يختلف عما الفناه في الكتابات الكثيرة والمتنوعة التي انشغلت بذات الموضوع بواسطة المذكرات او الكتابات السائلة.

منذ ثلاثة عقود كاملة والمؤلِف انشط الكتاب والمثقفين اليمنيين انغماسا في هذا الموضوع واكثرهم دأبا وفحصا، بأدوات الباحث المقتدر ووعي المثقف المتجرد من اهواء التعصب، كما سيلحظ قارئ الكتاب الذي نعاينه بالعرض في هذا السياق.


هذا الاصدار يمثل الانجاز الثالث عشر في مجمل اصدارات المؤلف الفكرية والثقافية ، وهو الكتاب الخامس الذي يخوض بشكل مباشر في موضوع الثورة اليمنية وتحولاتها السياسية والثقافية، بعد "ثورة سبتمبر والمؤتمرات السياسية المعارضة الاولى 62 و67" و "ثورة 26سبتمبر بين كتابة التاريخ وتحولات السلطة والثورة 62 و1970" و"اليمن في تحولات السياسة والواقع" و" الحضور التاريخي وخصوصيته في اليمن"


المعاينات النابهة الى مصاعب وتحديات بناء الدولة الحديثة , وجدل المشيخة والقبيلة في اعاقة بناء الدولة منذ فجر سبتمبر ، وكيف اثر ذلك على قضية حرية العمل الحزبي والسياسي في شمال البلاد، كانت المفتتح في هذه القراءة البانورامية الطويلة والمتنوعة والثرية.


ما رأه ربما فراغا او نقصا في كتابه الاول "ثورة سبتمبر والمؤتمرات السياسية المعارضة الاولى 62 و67" تداركها في قسم كامل في هذا الكتاب فاسماه " المؤتمرات القبلية والمعارضة" باعتبارها شكل من اشكال الصراع "الايديولوجي والاجتماعي" ، والتي صارت مصدرا من مصادر قوة الجناح القبلي الجمهوري، الذي ابتلع حلم اليمنيين في بناء الدولة، منذ مؤتمر عمران في سبتمبر 1963، اي بعد عام من قيام الثورة.


القسم الثالث في الفصل الاول المعنون بـ "تحويل النصر الى هزيمة سياسية" يخوض المؤلف في موضوعات تحالفات الرئيس عبد الله السلال التي نشأت بمقابل تحالفات القوى السياسية التقليدية التي كانت اكثر قوة وتنظيما ، واستطاعت الوصول بالبلاد الى انقلاب الخامس من نوفمبر 1967،وتاليا الى احداث اغسطس1968، التي فتحت الباب واسعا امام اتفاقية المصالحة الجمهورية الملكية في مارس 1970 او ما عُرفت في الادبيات السياسية باتفاقية جده.


المسكوت عنه في حربي الشطرين الاولى في 1972 والثانية في 1979وخلفياتهماالسياسية والأيديولوجية، وكذا الخلفيات السياسية لحركة 13 يونيو، ووضعها في سياق انجازاتها في اتجاه بناء الدولة ،وصولا الى بلوغ علي عبدالله صالح السلطة كان اهم مفردات القسم الرابع في هذا الفصل الذي كرس بالكامل للشأن في شمال البلاد .

وبالمقابل خُصص الفصل الثاني في الكتاب بكامله لمعاينة الحالة في جنوب البلاد، فصار القسم الاول فيه مقاربة شاملة للخلفية التاريخية و السياسية للتكوينات وعلى راسها الكيانات القبلية في حضرموت ولحج وكذا المشيخات المصغرة مثل " سلطنة يافع السفلى وسلطنة يافع العليا وسلطنة العقربي" وربطها بمعاهدات الحماية مع السلطة الاستعمارية.


اما ما نُشر في القسم الثاني كان تحت عنوان جامع وهو "توحيد الدويلات" في سياق العملية الثورية التحررية، والذي مُهد له في مفاوضات الاستقلال ورؤية السلطة الجديدة لبناء الدولة الوطنية.


القسم الثالث كُرِّس لقراءة وثيقتين ارتبطتا بمسار العملية الثورية ، وهما رؤية حركة القوميين العرب لمسالة الكفاح المسلح، و الميثاق الوطني " القومي" كشكل من اشكال الصراع الايديولوجي السياسي ، والذي كان الرؤية النظرية للجبهة القومية في مؤتمرها الاول.


القسم الرابع اختص بالكفاح المسلح والتسوية السياسية ، الى جانب شعار الوحدة الوطنية بوصفه جسر عبور الى منظمة تحرير الجنوب المحتل ،وصولا الى عملية التوحيد بين جبهتي التحرير والجبهة القومية ،وما تلى ذلك من اقتتال داخلي بين الجبهتين ، الذي انتج الهيمنة الكلية للجبهة القومية.


القسم الخامس كان اشبه بقراءة في المنظومة المفاهيمية والنظرية ،التي سالت في الخطاب السياسي مثل مفهوم واصطلاح اليمين الرجعي واليسار التقدمي واليسار الانتهازي ،الذي كان وعلى مدى عقدين اهم مفاعيل التنازع على السلطة، وكانت اهم تجلياته الباكرة في المؤتمر الرابع للجبهة القومية ، الذي انعقد في زنجبار بعد ثلاثة اشهر من الاستقلال، والذي فيه صار الفرز واضحا بين قطبي السلطة اللذان اُختزلا في هذين الاصطلاحين، فكان لاحدهما ان ينتصر وهو الذي صار مع اليسار الماركسي في العام 69.


اما المؤتمر الخامس للتنظيم السياسي الموحد " الجبهة القومية" والذي انعقد في مارس 1972، فقد جاء لإعادة انتاج الازمة نفسها ،والتي كانت هذه المرة تختزل في التنازع بين قيادة التنظيم وقيادة الدولة " سالم ربيع علي" والذي سينتهي بعد خمسة اعوام بالتخلص من رئيس الدولة في 77 ، وبعد اقل من عام سيعلن عن ولادة " الحزب الطليعي" وهو الحزب الاشتراكي من اندماج فصائل اليسار ، والذي سيعيد انتاج ازدواجية السلطة من جديد ، التي ستقود بعد اعوام ثمانية الى الانفجار الكبير في يناير 1986.


الكتاب بمحتواه التدويني ومعالجاته القرائية، يقترب من المنزع التاريخي في الرصد وتثبيت الوقائع ، لكنه ايضا يتجلى اكثر في مستحكماته التحليلية الرصينة، لهذا فهو كتاب في منتهى الاهمية والوثوقية فيما يتصل بالمعاينات العميقة في تحولات السلطة والثورة والدولة في البلد المتهتك.


Create Account



Log In Your Account