مقبل.. إبن عدن الذي منح صنعاء أبوته

محمود ياسين

مقبل وهو في أيامه الأخيرة، يذكرك بهيئة خالك الطيب الذي كان مغتربا في عدن، وبقي محتفظا بتلك الملابس والإيماءات.

يذكرك مقبل بالوحدة أيضا، أثناء ما يبقي لك أيقونة النقاء الثوري القديم وقد انتقل لوجود حزبي متشبث بصنعاء أثناء تململ الحزبية في المنافي.

كنا قد أصغينا لأنفسنا في جلسة ما بمقيله، وراح هو الآخر يصغي بتفهم لصخب مجموعتنا التي بدت فخورة وغير محتاجة للتاريخ، وهو كان نقيا فحسب وقرويا أيضا، ولكنه الحاضر المتواضع وقد سمح للمجموعة التحدث بإسهاب، وكأن كلا منا كان قد تخلى عن أملاك عائلته ووزعها بنفسه على الفقراء، وكأن كلا منا لديه حزب أبقاه متماسكا وقام بحمايته في ظروف تدفعه للتشظي الحتمي، نتحدث وكأن لكل منا تجربة مميزة تمثل مفتاح السر المزيج من النزاهة والصلابة.

بقينا نتحدث حتى بعد المغرب وكأن كلا منا مقبل، ومقبل يصغي ويحدق من عينين كأنهما نقش على حجر منتصب في دوامة زمن صاخب يتداعى كلما فيه الا الحجر.

كان مصطفى راجح لا يزال متحمسا لهادي، ولقد ترك له مقبل حتى الإنتهاء من مرافعته التي تعدد مزايا الرئيس المنتخب باقتراع مباشر وسيضبط المعادلة، الرئيس الجديد الذي يتكلم الانجليزية، وسأل بصوت من يدرك مآلات وإمكانات الرجل: يا مصطفى، هو بايهب لمحافظة ؟

يعني : هل سيقوم بزيارة تفقدية لبعض المحافظات بوصفه الرئيس ؟

وعلى أن هذا أبسط ما يفترض به على الأقل، لا إجابة للآن لسؤال لم يكن إعتباطيا ولا عاديا البتة.

صافحنا واحدا واحدا، ومضينا وأنا أفكر أن هذا هو الجنوبي الذي لا تشعر معه أنك شمالي، إبن عدن الذي منح صنعاء أبوته المتواضعة والصامتة، والسياسي العتيد الذي لا يسمح للحظة أن تشعرك بسذاجتك وافتقارك للخبرة، عوضا عن تلك الحالة من الطهر التي كانت في مخيلة قروي مثلي حكرا على صورة المتدين وجسدها مقبل طهرانية مزيج من كلما هو عزيز وثمين في نفسك.

أحزنني موته وحيدا لكنه مات حيث تموت الخيول الأصيلة، وكانت حياته ومزاجه السياسي وطريقته والمزيج المذهل من الصلابة والبراءة والتشبث بالتراب تمثل حلا ملهما وشفرة لضبط هذه المعادلة المختلة.

عندما وقفت أمام الهرم الأكبر في الجيزة ذات ظهيرة، انتابني ذات الإحساس أمام شخصية مقبل بعد سنوات، ذلك الإنبهار بدون تحفيز وهو الجهد الذي تعفيك منه الأساطير الملهمة.


*نقلاً من صفحة الكاتب على فيسبوك