كيف قوض التحالف العربي اليمن إقتصادياً
الأحد 01 سبتمبر ,2019 الساعة: 06:43 مساءً

الموقف السياسي المعلن للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات يدعي الوقوف مع اليمن ودعمه إقتصادياً.
ويطلع علينا المسؤولين السعوديين والإماراتيين للحديث عن مقدار ونوع الدعم ونرى مبالغ ومشاريع واعتمادات وخطط لتمويل عمليات الإغاثة الطارئة.

ويصاحب ذلك إرسال رسائل من قبل المغردين و أصحاب الرأي والمحللين الخليجيين للتأكيد على فكرة أن التحالف جاء لإعادة الشرعية ونصرة الشعب اليمني والعمل على حماية الاقتصاد اليمني من الإنهيار والريال اليمني من التهاوي وما إلى ذلك.


لكن في ذات الوقت وبقليل من المتابعة لما يحدث فعلياُ على أرض الواقع، نجد أن هذا التحالف نفسه يتصرف منذ بداية الحرب ويقوم بإجراءات وممارسات تعيق قدرة اليمن على إستعادة إقتصادها وحمايته من مزيد من التهاوي، بحيث ظلت التصريحات الرسمية في وادي وما يحدث في الميدان في وادٍ آخر تماماً.

على سبيل المثال: منذ خمس سنوات، يحرص التحالف على منع المورد الإقتصادي الأول لبلد مثل اليمن، فيعرقل كل جهود إستئناف تصدير النفط الخام وإعادة الشركات الاجنبية لعملياتها.
ولم يعد للعمل من الشركات سوى شركتي بترو مسيلة وصافر الوطنيتين في حدود التشغيل الدنيا، رغم أن الحال لم يكن كذلك مع شركة( أو أم في) النمساوية المملوك ربع أسهمها للإماراتيين. فهذه الشركة المرتبطة بالإماراتيين تم إقرار استئناف العمل فيها وتنفيذ ذلك وإعادة التصدير في مدة لم تتجاوز الأسبوع، ولأجلها ذللت كل العراقيل ومهدت كل الطرق.
وهنا نحن نتحدث عن ما يزيد عن مبالغ تتجاوز الثلاثين مليار دولار فقدتها اليمن كإيراد من إنتاج وتصدير النفط الخام.
بالنسبة للغاز المسال ، فكلما كانت تلوح في الأفق جهود أو بوادر محاولات لاستئناف تصدير الغاز المسال من ميناء بلحاف النفطي، كانت هذه الجهود تعرقل بواسطة حوادث مفتعلة كان آخرها تفجير أدى إلى حريق أصاب أجزاء من ميناء بلحاف، لإرسال رسالة أن المنطقة غير آمنة ومن غير الممكن إستئناف تصدير الغاز.

وبالتالي خسرت اليمن ما يزيد عن خمسة مليارات دولار كان ممكن أن تضخ إلى خزينة الدولة خلال الخمس سنوات الماضية، وهذا بحساب الأسعار السابقة في تعاقدات بيع الغاز المسال، أما لو تم تعديل الأسعار فإن المبلغ سيتضاعف عدة مرات .

عندما قررت السعودية دعم الريال اليمني حين تعرض لإنهيار تجاوز حاجز 800 ريال للدولار الأمريكي الواحد ، لم يكن هذا الدعم على شكل منحة بل جاء على شكل وديعة.
هذه الوديعة المتمثلة في الإثنين مليار دولار ليست إلا قرضاً من النوع مرتفع الفائدة والذي ستكون أعبائه كارثية في المستقبل القريب طالما واليمن غير قادر على تسديد هذا القرض مع فوائده وكأن المطلوب هو تأجيل إنهيار الريال وليس منعه.

الموانئ اليمنية جميعها دون إستثناء خارج سيطرة الحكومة اليمنية وتخضع لحصار كامل من قوات التحالف العربي وبالتالي لا إيرادات تجنيها اليمن من هذا المورد المهم.

نفس الحال بالنسبة للمطارات اليمنية وشركة الطيران الوطنية، التي تمنع طائراتها من المبيت داخل اليمن وتخضع لقيود غير منطقية تفرضها قيادة التحالف، وتقيد حركة الناقل الوطني في الأجواء اليمنية وتحمله أعباء مالية كبيرة تعيق إمكانية تقديم خدمات جيدة أو حتى الحفاظ على الأصول الموجودة بإخضاعها للصيانة الدورية اللازمة.

على الجانب الآخر، نجد أن التحالف العربي ضخ المليارات من الدولارات على شكل مساعدات عبر منظمات الأمم المتحدة تحت ما يسمى بخطة الاستجابة. لكن هذه المساعدات وجدت طريقها إلى ميليشيا الحوثي مباشرة ووفرت لهم دعم لوجيستي ومادي ولم تكن منظمات الأمم المتحدة إلا سمسار لعب دور واضح ماديا وسياسيا لدعم الحوثي ولا أحد غيره، ناهيك عن الدعم المباشر لميليشيا الإنقلاب في المجلس الإنتقالي من قبل الإمارات.

من الملاحظ كذلك أن المساعدات المزعومة التي قدمها التحالف كانت كلها عبارة عن مساعدات مؤقتة لسد حاجة آنية لدى اليمنيين، بينما عمل التحالف على عدم تخصيص أي ميزانيات لتمويل مشاريع تنموية مستدامة ممكن أن تخدم اليمن على المدى الطويل.
وكل ما لاقاه اليمنيون في هذا الجانب ليس أكثر من وعود وهمية لإنشاء مشاريع استراتيجية من عينة محطة تمويل الكهرباء في عدن التي استمرت الإمارات منذ العام 2015م في الترويج لتمويل هكذا مشروع، لم ينفذ فيه شيء على أرض الواقع. وكذلك مشروع مطار مأرب الدولي الذي أعلنت عنه السعودية أكثر من مرة وهو ليس أكثر من مجرد سراب.

في ذات الموضوع ، حرصت السعودية مثلاً على تزويد اليمن بمنحة شهرية للمشتقات النفطية بينما بقيت مصافي عدن خارج الخدمة ومنعت أي استثمارات لزيادة القدرة الإنتاجية لمصافي مأرب.

ومنع استئناف العمل في محطة مأرب الغازية لتوليد الكهرباء، الأمر الذي سبب شح في عرض المشتقات النفطية لسد حاجة الإستهلاك المحلي وغرم اليمنيين المليارات لتغطية هذا العجز من الاستيراد وأبقاهم في معاناة مستمرة مع الأزمات الخانقة التي أوصلت أسعارهذه المشقات لتصبح الأعلى على مستوى العالم.

ولا ننسى كذلك أن حالة الحرب التي تعيشها اليمن أفقد الحكومة قدرتها على تحصيل إيراداتها من الضرائب والجمارك خصوصاً في تلك المناطق الخاضعة لسيطرة الإنقلاب الحوثي، رغم أن المواطن يدفع هذه الجبايات بشكل مضاعف مما ساهم في زيادة أسعار السلع والخدمات التي يستهلكها اليمنيون.
بند الجمارك والضرائب لوحده كان بإمكانه رفد البنك المركزي بما يزيد عن خمسة عشر مليار دولار طوال سنين الحرب.

بإلقاء نظرة على موازنة النفقات السنوية لبلد مثل المملكة العربية السعودية، نجد أن السعودية تنفق حوالي ثلاثمائة مليار دولار سنوياً.
ونجد أن الإمارات تنفق نحو ما يربو على الخمسين مليار دولار . وعليه فلا مشكلة نهائياً لدى هذه الدول في تخصيص ثلاثة إلى أربعة أو حتى خمسة مليارات سنوياً كمساعدات وتمويل للحرب الدائرة في اليمن، وكأن هذا الخيار في الإبقاء على اليمن ضعيفا وغير مستقر وغارقاً في المجاعة والفاقة أفضل -بالنسبة لهم- من تمكينه لإيقاف هذه الحرب وتجاوز المحنة والوقوف على قدميه.

إجمالاً ، كل الأحداث من الواقع ، طوال خمس سنوات، تشير إلى أن التحالف العربي لم يعمل لمصلحة الإقتصاد اليمني، بل على العكس عمل على تقويض قدرة اليمن على السيطرة على مواردها التي كان ممكن أن تتجاوز الخمسين مليار دولار خلال فترة الحرب الدائرة. وكأن مبدأ "التقية" هو الحاضر وهو ما يتم تطبيقه من قبل دول التحالف عبر إظهار الدعم للقضية اليمنية شكليا ً والعمل ضدها تحت الطاولة.

لذلك، فأي إدعاء بأن دول التحالف دعمت اليمن خلال فترة الحرب ليس إلا من قبيل التضليل.

كل ما حدث ،وما يحدث، لم يخدم جهود اليمنيين لإيقاف الحرب وتمكينهم من السيطرة على مواردهم السيادية، في سبيل استعادة دولتهم ومؤسساتهم واقتصادهم ليتمكنوا من وقف تدهور عملتهم و الإعتماد على أنفسهم، دون الحاجة إلى أحد.
كل ما حدث كان ضمن مخطط لاستمرار الحرب و تجريع اليمنيين المزيد من المآسي والويلات، و لتمويل تشكيلات مسلحة خارج إدارة وإرادة الدولة اليمنية وشراء ولاءات لمجموعات من المرتزقة والمنتفعين نفذوا ما تمليه عليهم الأجندات الخارجية لإبقاء اليمن ضعيفاً وجره إلى التقسيم والتشرذم. 
----------
باحث إقتصادي يمني


Create Account



Log In Your Account