كيف يبدو مستقبل التحالف السعودي الإماراتي في اليمن؟
الإثنين 09 سبتمبر ,2019 الساعة: 08:15 مساءً

مقدمة

في نهاية يونيو/ حزيران 2019 أعلنت الإمارات انسحابها وهي القوة الثانية بعد السعودية الذي تقود التحالف العربي منذ اعلانه في مارس/ آذار 2015 لدعم الشرعية اليمنية ضد انقلاب الحوثيين المدعوم من إيران ، وقالت أبوظبي أنها ستبدأ الانتقال إلى استراتيجية "السلام أولا" في البلد المفكك بالحرب.

 

وفي أغسطس/آب 2019 اتهمت الحكومة اليمنية، دولة الإمارات، بالتخطيط والتنفيذ والتمويل لـ"انقلاب" أو "تمرد مسلح" ضد الحكومة الشرعية في مدينة عدن، بعد أن سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي على العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية المعترف بها دوليا واتجه للسيطرة على مُدن الجنوب الأخرى.

 

خلال سنوات الحرب أسست الإمارات ميليشيات تابعة لها في المحافظات المحررة من انقلاب جماعة الحوثي يصل عددهم إلى 90 ألف مقاتل في عدة تشكيلات أهمها الحزام الأمني في (عدن والضالع، ولحج، وأبين وسقطرى) والنخبة في (شبوة وحضرموت)؛ وتملك سلطة على بعض ألوية العمالقة التي تقاتل في الساحل الغربي للبلاد إلى جانب قوات "حراس الجمهورية" التي يقودها "طارق صالح" نجل شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح؛ و"كتائب أبو العباس" في محافظة تعز وسط البلاد. وهذه القوة على الأرض أصبحت أدوات عسكرية تابعة للإمارات في اليمن.

 

وفي الأحداث الأخيرة برزت الأداة السياسية التي تدعمها الإمارات تحت مسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي تم تشكيله في (2017) من مسؤولين سابقين في الحكومة الشرعية تم إقالتهم من الرئيس عبدربه منصور هادي، أبرزهم رئيس المجلس "عيدروس الزُبيدي" الذي كان حاكم عدن، ونائبه "هاني بن بريك" وزير الدولة السابق، و"أحمد بن بريك" محافظ حضرموت السابق.

 

كان "المجلس الانتقالي الجنوبي" قد حاول تنفيذ تمرد مسلح في يناير/كانون الثاني 2018، لكن تدخلاً سعودياً أوقف الاشتباكات بين الحزام الأمني والقوات الحكومية في عدن بعد أن سيطر حلفاء الإمارات على المدينة الساحلية التي تمثل عاصمة اليمن المؤقتة.

 

لكن تمردا جديدا في اغسطس 2019 نفذته القوات المدعومة إماراتيا ضد قوات الرئيس هادي فتحت اليمن على سيناريوهات جديدة خاصة مع صمت السعودية قائدة التحالف العربي وحليفة الرئيس هادي تجاه استخدام الإمارات للطيران في ترجيح كفة حلفائها، فهل كان ذلك الصمت سياسة احتواء أم أنه هدوء ما قبل العاصفة التي قد تعصف بالتحالف بين ابوظبي والرياض في اليمن؟

 

سلام الإمارات المسلح:

كانت البداية في يونيو/حزيران 2019 حين أعلنت الإمارات سحب قواتها من اليمن، ولا يُعرف عدد القوات الموجودة في البلاد، لكن مصادر تشير إلى أن الإمارات سحبت قرابة 75% من جنودها الذين يصل عددهم إلى 10 آلاف؛ إضافة إلى آليات عسكرية ضخمة. لم يصدر تعليق بشأن قواتها لكن الإعلان كان بداية مرحلة جديدة في تاريخ البلاد وداخل التحالف الذي تقوده السعودية.

 

وبررت أبوظبي الانسحاب بأنه انتقال من "الاستراتيجية العسكرية" إلى "استراتيجية السلام"، لكن هناك أسباب أخرى متعلقة بالإمارات:

 

أ) هناك خلافات بدأت تظهر مع السعودية حول النفوذ وحول دعم الشرعية.

 

 ب) هناك مشكلات داخلية وعدم رضا الإمارات الست عن إدارة أبوظبي للحرب وغرقها في مستنقع اليمن.

 

 ج) تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد تشوه وتضرر سمعتها وتقديم نفسها كدولة تريد السلام، خاصة مع معاقبة دولية لأبوظبي بمنع بيع الأسلحة لها من بعض الدول الأوروبية ومحاولات إقرار مشروع قرار مماثل في الكونجرس.

 

 د) التطورات الإقليميَّة في مياه الخليج وخشية أبوظبي من تحول الإمارات إلى ساحة صراع بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة وإيران وميلشياتها من جهة اخرى.

 

هـ) اعتقاد أبوظبي بعدم جدوى استمرار الحرب مع الحوثيين وأن العمليات ضد الجماعة تؤول إلى خسارة أو إلى جمود طويل الأمد وتريد إنقاذ نفسها من "الهزيمة" وإلباسها للسعودية؛ حتى لا يُذكر أن أبوظبي هُزمت في أول حرب خارجية تخوضها.

 

و) الهروب من تحمل تبعات الحرب في اليمن والتنصل من مسئولياتها الأخلاقية بما يتعلق باستهداف المدنيين تحت مسمى الضربات الخاطئة وتداعيات الفوضى في المناطق المحررة مثل الاغتيالات والاعتقالات والاختطافات والتعذيب حتى الموت في سجون سرية خاصة بها إلى جانب الهروب من دفع أي تعويضات تتعلق بالحرب في اليمن.

 

ز) إعلان الانسحاب كان بمثابة بوابة للتفاهم مع إيران، فبعد الإعلان وصل وفد عسكري إماراتي إلى إيران، لبحث التوتر في مياه الخليج وهو لقاء لم يحدث منذ سنوات، تحدث الإيرانيون أن أبوظبي قدمت سياسة جديدة في المنطقة وأن تفاهمات حدثت بشأن اليمن.

 

ح) الاعلان عن انسحابها محاولة لعدم تحمل مسئولية التمرد والانقلاب لميلشيات انفصالية دعمتها في المحافظات الجنوبية واضطرت للتدخل بالطيران لانقاذها، فقد كانت الإمارات تستعد لتمكين حلفائها على الأرض من أجل السيطرة على المحافظات الجنوبية المحررة لتفتح الباب نحو تداعيات خطيرة على مستويات عِدة متعلقة ب"الشرعية" و"المشروعية".

 

معارك أبوظبي

بعد محاولة "التمرد" -حسب التوصيف الحكومي- في شهر يناير/كانون الثاني 2018، جيشت الإمارات وأدواتها السكان المحليين وقامت بتدريبات واستعدادات لخوض معركة جديدة. فبعد نحو شهر من إعلان أبوظبي انسحابها من البلاد حركت أدواتها استعداداً للمرحلة الجديدة، وبدأت البحث عن غطاء لهذا التحرك.

 

اخترق صاروخ باليستي وطائرات بدون طيار تابعة للحوثيين، المنطقة الخضراء الأكثر تحصيناً في عدن حيث يتواجد مقر القوات الإماراتية في "البريقة"؛ لتقتل "منير اليافعي" القائد البارز في الحزام الأمني المُقرب من الإمارات. اتهم "المجلس الانتقالي الجنوبي" الحكومة الشرعية بالوقوف وراء العملية على الرغم من تبني الحوثيين لها. أراد الحوثيون قياس ردة الفعل وسط حلفاء أبوظبي والحكومة الشرعية بعد إعلان الإمارات سحب قواتها، وكان الرد سريعاً خلافات تطورت إلى حرب شوارع ،حيث يبدو أن أبوظبي و"المجلس الانتقالي الجنوبي" رِغبا في استغلالها كفرصة لإثبات الوجود في عدن وانتزاع مناطق نفوذ جديدة في الاقليم الشرقي للجنوب.

 

لتبدأ سلسلة من الأحداث التي أحدثت تحولاً كبيراً في معسكر "الشرعية/التحالف" وفي الأزمة اليمنية بشكل عام على النحو الآتي:

 

إسقاط عدن وزنجبار:

سيطرّ المجلس الانتقالي الجنوبي في العاشر من أغسطس/آب 2019 على مدينة عدن، وتحركت القوات باتجاه مدينة "زنجبار" عاصمة محافظة أبين (المجاورة لـ"عدن") وسقطت بيد الحزام الأمني.

 

سقوط عدن بيد "المجلس الانتقالي الجنوبي" يعود لعدة أسباب:

 أ) عدم وجود طريق آمن لوصول التعزيزات-حيث يسيطر الحزام الأمني بالفعل على مداخل مدينة عدن ووسط المدينة منذ يناير/كانون الثاني2018.

 

ب) نقص الذخيرة وانعدام السلاح النوعي الفعال في مواجهة قوة نيرانية واسلحة ثقيلة للانتقالي.

 

 ج) تدخل الإمارات بأكثر من 400 مدرعة لمهاجمة القوات الحكومية، بعد أن شعرت باهتزاز وضع حلفائها.

 

واتهمت الحكومة اليمنية، دولة الإمارات بـ"التخطيط" و"التنفيذ" و"التمويل" لـ"التمرد المسلح" ضدها في عدن، وأبلغت مجلس الأمن بذلك. نوإن كانت الإمارات نفت الاتهامات إلا أن الأحداث المتلاحقة كشفت تورطها.

 

العودة من شبوة:

قامت "النخبة الشبوانية" التابعة للإمارات بمحاولة إسقاط مدينة "عتق" عاصمة محافظة شبوة (مجاورة لأبين وحضرموت) وهي محافظة نفطية. لكن الجيش اليمني الذي ينتمي غالبيته من أبناء شبوة تصدى بالفعل لمحاولة الاجتياح، وانتقلت المعارك إلى المديريات المجاورة لـ"عتق" وخلال أيام، أعلنت الحكومة تحريرها من "النخبة الشبوانية" يوم (26أغسطس/آب2019).

 

يعود فشل "المجلس الانتقالي الجنوبي" في السيطرة على شبوة إلى عدة أسباب:

 أ) الطبيعة المجتمعية في شبوة، طبيعة قَبلية معقدة ومعظم القبائل ترفض الدور الإماراتي، كما أن عدد كبير من أبناء القبائل ضمن "النخبة الشبوانية" رفضوا قِتال أبناء القبائل الموالين للشرعية خوفاً من "الثارات". ولعب الدور السياسي للمحافظ والمسؤولين السياسيين في المحافظة بخطاب التسامح والتصالح الكثير في تحييد كل عوامل منع اندلاع المواجهة.

 

ب) وجود خطوط إمداد للقوات الحكومية من طريق مأرب والمنطقة العسكرية الثالثة التي تقع شبوة ضمن نطاقها بعكس عدن.

 

 ج) خطاب وتصرفات "المجلس الانتقالي" بدت عدائية وذات عنصرية مناطقية مع أبناء المحافظات الشمالية، وهو ما لا يتناسب مع القبائل في شبوة التي تملك تداخل مجتمعي وترابط أسري كبير مع محافظات "البيضاء" و"مأرب" المجاورة.

 

د) "شبوة" محافظة نفطية ويوجد فيها ميناء رئيسي لتصدير الغاز المسال، والسيطرة عليها يعطي إيرادات كبيرة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" ما يجعله مستمراً في القِتال ضد الحكومة الشرعية، وهو أمرٌ لا يريده الرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر، ولا حتى السعودية التي ترى في شبوة بوابة المنطقة الشرقية حضرموت والمهرة التي تعتبرها امتداد نفوذ لها في اليمن.

 

بَعد الإعلان عن السيطرة على "شبوة" من قِبل الحكومة اليمنية، تداعت وحدات الجيش والأمن في أبين لإسقاط معسكرات الحزام الأمني، وتمددت القوات الحكومية من شبوة باتجاه "أبين"، ويوم الأربعاء 28 أغسطس/آب2019 بسط الجيش نفوذه على "مدينة زنجبار". وتمددت القوات على طول الخط الساحلي نحو مدينة عدن وفرضت عليها حصاراً من جهتين "محافظة لحج" وأبين. تحركت مقاومة داخلية داعمة للحكومة الشرعية، لكن سرعان ما تم إخمادها من قِبل "الحزام الأمني" مع حملة مداهمات واختطافات وتصفيات.

 

 قصف الجيش اليمني:

في 29 أغسطس/آب 2019 كان الجيش الوطني وكتائبه على مداخل مدينة عدن، ومع الاستعداد للمعركة القادمة لاستعادة المدينة قامت أبوظبي بقصف الجيش الوطني دون سابق إنذار؛ وقُتل وأصيب 300 من أفراد الجيش، كما قامت الطائرات الإماراتية بقصف القوات الحكومية في عدن وأبين ، ماضطر الجيش للانسحاب إلى مناطق آمنة قريبة ، خوفاً من القصف الإماراتي الذي لم يكن متوقعاً، وعلى إثر ذلك أعادت التشكيلات شبه العسكرية الموالية للإمارات السيطرة على "زنجبار" عاصمة أبين وأحكمت السيطرة على "عدن" مجدداً.

 

يمثل "استهداف" الجيش اليمني مرحلة جديدة من مراحل الحرب في اليمن، فقد قالت أبوظبي إنها قصفت "تجمعات إرهابية لحماية قوات التحالف"!، أما الجيش فوجه الاتهام للإمارات، وطالبت الحكومة بطرد الإمارات من التحالف، وبعد أيام دعت الرئاسة اليمنية السعودية إلى إيقاف "التدخل الإماراتي".

 

ردود السعودية الرسمية كانت أقرب إلى البحث عن حلول وسطية مع عدم التفؤيط في الشرعية التي تعد غطاء للتحالف العربي، وكذلك عدم التفريط في الإمارات التي تتشارك معها في ملفات كثيرة اقليميا ودوليا، لكن مقالات صحفية لمقربين من الديوان الملكي كشف عن وجود انقسام بين الرياض وأبوظبي حول كيفية التعامل مع الأوضاع الجديدة؛ لكن معظم الأصوات تشير إلى وجود خلافات إماراتية/ سعودية جديّة حول الدور الإماراتي في المحافظات الجنوبية والتي تهدد الحكومة الشرعية وشرعية التحالف العربي الداعم لها.

 

حليف إرهابي!

لم يكن الموقف الإماراتي من وصف القوات الحكومية بـ"الإرهابية" إلا محاولة للتهرب من التبعات الدولية بقصف جيش دولة معترف بها دولياً، تدخلت أبوظبي من أجل دعم حكومته واستعادة شرعيتها. لكن أبوظبي وجدت نفسها أمام هذا الخيار الوحيد لحماية أهدافها جنوب اليمن بعد أن رأتها تتهاوى مع اقتراب القوات الحكومية واستعدادها لخوض المعركة النهائية في عدن.

 

وبررت أبوظبي أن القصف الذي استهدف الجيش جاء وفق اتفاقيات جنيف، لكن ذلك ليس صحيحاً فلا يوجد في القانون الدولي ما يبرر القصف الإماراتي لقوات دولة عضو في الأمم المتحدة، بل يمكن اعتبار ذلك اعتداء. كما أن اعتبار الجيش اليمني "جماعة إرهابية" فإن ذلك وصّم تتابعي بالإرهاب للحكومة الشرعية، المدعومة من "التحالف" ما يعني أن "السعودية" و"الإمارات" نفسها داعمة للإرهاب!

 

ومن ناحية القانون الدولي يمكن الإشارة إلى الآتي:

 

- اليمن تحت الفصل السابع وعلى الرغم من أنه ينتقص من "مبدأ عدم التدخل" إلا أن الانتهاك لسيادة اليمن محدد في قرار الفصل السابع بكون الأوضاع في اليمن أصبحت "تهدد الأمن والسلم الدوليين"، والذي يشمل فرض العقوبات على أشخاص وكيانات ضمن المُهددين، كما يفرض عقوبات اقتصادية وسياسية.. الخ، ولم يكن تدخل التحالف العربي ضمن الفصل السابع بل عبر دعوة رسمية قدمتها اليمن إلى السعودية لمواجهة الحوثيين وهو حقٌ مكفول للدول. وجاءت دعوة الرئيس في 24 مارس/آذار إلى مجلس الأمن يقول فيها: "قد طلب من مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية تقديم الدعم على الفور، بكل الوسائل والتدابير اللازمة، بما فيها التدخل العسكري، لحماية اليمن وشعبه من استمرار عدوان الحوثيين". فالوجود الإماراتي جاء بناءاً على هذه الرسالة. وجاءت موافقة الإمارات إلى جانب دول الخليج الأخرى -عدا سلطنة عمان- برسائل مماثلة استجابة للطلب اليمني.

- تؤكد جميع قرارات مجلس الأمن الدولي بما في ذلك قرار "2216" الالتزام القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه ، كما يؤكد القرار على "امتناع دول العالم عن اتخاذ أي إجراءات من شأنها تقويض وحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية، والمسّ بشرعية رئيس اليمن". وما فعلته أبوظبي بدعم "الانفصاليين" والمسّ بشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي هو انتهاك لهذا القرار الذي يُفترض أن يدفع المجلس لفرض عقوبات على أبوظبي أو مسؤولين إماراتيين.

- مبررات الإمارات وضغطها من أجل تشكيل حكومة أخرى -غير الحالية- في اليمن ينتقص من سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، وهذه المبررات تشير إلى أن اليمن تحت "الوصاية" الذي أُلغي مع قيام "الأمم المتحدة"، ويخالف ميثاق الأمم المتحدة وترقى تصرفات أبوظبي في البلاد إلى اعتباره "احتلالاً".

- إن مواجهة الجيش اليمني لحالة "تمرد مسلح" -وفق توصيف القانون الدولي- حقٌ في القوانين والمواثيق الدولية وميثاق جامعة الدول العربية، وما قامت به أبوظبي من تمكين لـ"التمرد" هو اعتداء واضح مكتمل الأركان على سيادة البلاد.

- تشير اتفاقيات جنيف إلى "عدم التدخل" وعدم استخدامها في انتهاك سيادة بلاد وتنص المادة الثالثة (1) على: لا يجوز الاحتجاج بمواد البروتكول بقصد المساس بسيادة أية دولة أو بمسئولية أية حكومة في الحفاظ بكافة الطرق المشروعة على النظام والقانون في الدولة أو في إعادتهما إلى ربوعها أو الدفاع عن الوحدة الوطنية للدولة وسلامة أراضيها. و(2): لا يجوز الاحتجاج بأي من أحكام هذا " البروتوكول " كمسوغ لأي سبب كان للتدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة في النزاع المسلح أو في الشئون الداخلية أو الخارجية للطرف الذي يجرى هذا النزاع على إقليمه.

 

وهم الحوار

دعت السعودية بعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن إلى حوار في مدينة جدة السعودية برعاية المملكة. وخلال أغسطس/آب2019 جرت محاولة لإجراء مشاورات بين الحكومة والمجلس الانتقالي لكن وفد المجلس غادرة "جدة" بعد رفض الحكومة التشاور دون تنفيذ قرار التحالف بالانسحاب من المعسكرات والمقار الحكومية في عدن. وعاد مجدداً في سبتمبر/أيلول2019 لكن هذا الحوار يواجه عقبات كثيرة:

 

- يرفض المجلس الانتقالي الانسحاب من المعسكرات والمقار الحكومية في عدن، وهو شرط الحكومة الشرعية لبدء الحوار.

- وجود مشاورات مع "الانتقالي الجنوبي" دون انسحابهم ودمج الأحزمة والنخبة في قوات الجيش ، "شرعنة لحمل السلاح على الدولة" للحصول على مكاسب سياسية وهذا يشرعن انقلاب الحوثيين الذين فرضوا واقعا عسكريا في ايلول/سبتمبر 2014 للوصول غلى السلطة.

- أُقيمت مشاورات مباشرة بين السعودية والإمارات من أجل التوصل لاتفاق ينهي النزاع بين الطرفين يتم تقديمه لاحقاً إلى "الانتقالي الجنوبي" والرئيس "عبدربه منصور هادي".

يشترط الانتقالي تعيين نائب رئيس للجمهورية من داخله، بالإضافة إلى وزارتين رئيسيتين في الحكومة وهو ما ترفضه الحكومة الشرعية. ويشترط عبدربه منصور هادي على الانتقالي الجنوبي الانصياع لقراراته ودمج الميليشيات التي تمولها الإمارات وتديرها في الجيش والأمن اليمنيين.

 

- تسبب القصف الإماراتي للجيش اليمني ووصفه بـ"الإرهاب" في غياب الأرضية المشتركة للحوار، فبالنسبة للحكومة الشرعية ترى أن الحوار يجب أن يكون مع الإمارات لا مع أدواتها، وأن يكون على أرضية طردها وإخراجها، لا تعميق حضورها ونفوذها. وهو أمرٌ يستحيل معه إجراء محادثات فأبوظبي تحاول تثبيت وجودها في جنوب اليمن لمرحلة قادمة عقب خروجها من الحرب ولن يكون ذلك إلا عبر ميليشياتها على الأرض وضد الحكومة الشرعية.

 

تداعيات تمرد عدن

إذا كان قصف الطائرات الحربية للجيش اليمني، يؤثر بشكل كبير على العلاقة بين الحكومة والسعودية من جهة والإمارات من جهة أخرى، ما يعني تفكك التحالف واقترابه من النهاية ، فإن سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي نقطة تحّول بالغة السُّوء لموقف الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، إذ أن ذلك يشير إلى تهاوي وجود الحكومة وضعف موقفها التفاوضي لصالح الميليشيات المدعومة من الإمارات.

 

تنعكس تداعيات أحداث عدن جنوب البلاد، على موقف الحكومة التفاوضي مع الحوثيين، وموقف دول المنطقة من الإمارات، كما سينعكس على القرن الإفريقي حيث تنشط الفصائل الانفصالية التي تدعم معظمها أبوظبي ، ويمكن الإشارة إلى أن تداعيات التمرد المسلح في الجنوب سيكون على النحو الآتي:

 

- تسعير الثارات المناطقية:

عند الحديث عن المحافظات اليمنية الجنوبية فيجب الإشارة إلى قوتين رئيسيتين كانتا كحقلين لـ"جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، تتمثل بصراع مناطقي ضمن أحلاف قَبلية/جهوية، حيث تقف محافظتي "الضالع ولحج" في أحد القطبين، وفي القطب الثاني توجد "أبين" و"شبوة" ووصل التنافس بين القطبين حد الاقتتال الداخلي فيما عُرف بحرب يناير/كانون الثاني 1986، والذي أدى إلى انهاك "الدولة الجنوبية" وأصبحت تحت مخاوف التقسيم مجدداً، فاندفع القادة إلى "الوحدة مع الشمال".

 

رغم أن الجيش اليمني مكون من جميع المحافظات إلا أن انتماء الرئيس إلى أبين ومعظم قادة "الانتقالي الجنوبي" إلى لحج والضالع، يجعل من المعركة وكأنها "ثأرية" وظهر ذلك في الخطابات الأخيرة بعد القصف الإماراتي وقيام "قوات" المجلس الانتقالي الجنوبي بإعدامات ميدانية واعتقالات في عدن حسب الهوية.

 

اندفاع الحرب في جنوب اليمن لتكون حالة انتقام ثأرية لا يمكن التوقع بنتائجها، وتنذر بحروب صغيرة ذات تمويل خارجي -إماراتي في الغالب- يعني انها لن تتوقف بسهولة.

 

-  تفكيك التحالف العربي:

يجعل الهجوم الإماراتي على الجيش اليمني ودعم "عملية التمرد المسلح" في عدن من التحالف العربي الداعم للشرعية في حالة من الضعف والتأرجح. فاتهام الجيش بالإرهاب بقدر ما يسيء لليمن فإنه ينتقص من مشروعية إقامة الحرب ضد الحوثيين باعتبار الحكومة الشرعية "داعمة ومؤيدة للإرهاب" وهي ذات المبررات التي يتحدث بها الحوثيون ما يزيد من مصداقية ما تقوله الجماعة المسلحة المدعومة من إيران. ويجعل من الحكومة المعترف بها التي أعطت السعودية مشروعية قيادة التحالف لقِتال الحوثيين على أنها تدعم "الإرهاب" فلا يمكنها إدارة دولة وأن التنظيمات "الإرهابية" جزء من قوامها العسكري وتكتيكتها الحربية باعتراف القوة الثانية في التحالف (الإمارات)، كما أن وجود تماهيّ سعودي مع أبوظبي ومشروعها سيعتبرها الشعب اليمني قوة غزو واحتلال للبلاد وهذا له تبعات دولية ويمنية كبيرة على المملكة مستقبلا.

 

- إسقاط مرجعيات الانتقال:

ما حصل من تمرد مسلح للمجلس الانتقالي بدعم إماراتي في الجنوب يؤدي إلى انتقاص المرجعيات الثلاث للانتقال السياسي في اليمن (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن على رأسها 2216)، ويؤدي حالة العِناد الإماراتي تهاوى القرار الدولي 2216 (عام 2015) الذي يؤيد الرئيس عبدربه منصور هادي كرئيس شرعي للبلاد.

 

-  شرعنة الإنفصال والانقلاب:

التحرك العسكري لميلشيات مدعومة من الإمارات ضد الشرعية هو محاولة لفرض واقع سياسي يتمثل في الانفصال، ما يعني ان انقلاب الحوثيين في الشمال أصبح مشرعنا بفرض واقع من خلال العنف والسلاح الذي استخدمته الإمارات الشريك الثاني في التحالف العربي بقيادة السعودية.

 

المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات يرفع لافتات انفصال جنوب اليمن وعودة الأوضاع إلى ما قبل عام 1990، ويحاول فرض الانفصال بالقوة، على الرغم من أنه لا يمثل هذه اللافتات وحيداً بل هناك عدة تيارات تدعو للانفصال وأخرى ترى في الدولة الاتحادية طريقة أفضل. ولا يستطيع المجلس الانتقالي الجنوبي وحليفه الإمارات فصلّ جنوب البلاد بالقوة، فلن يحظى بأي اعتراف دولي أو محلي.

 

ويقوم النظام الدولي على مبدأ سيادة الدول ووحدة أراضيها. ووفقاً لهذا المبدأ، يمنع القانون الدولي الانفصال من جانب واحد، لأن السماح بانفصال كهذا سيفكك معظم دول العالم، ويخلق فوضى لا نهاية لها. واستناداً إلى هذا المبدأ، رفض مجلس الأمن الدولي الاعتراف بدولة الجنوب التي تم الإعلان عنها خلال حرب 1994. ففي القرار رقم (924) و(931) اللذين أصدرهما المجلس خلال تلك الحرب، تعامل المجلس مع النزاع على أنه نزاع داخلي ضمن الجمهورية اليمنية.

 

-  طرد الإمارات من التحالف وتضرر سياستها الخارجية:

من غير المرجح بقاء الإمارات ضمن تحالف دعم الحكومة الشرعية بالدور الذي تقوم به الآن. لكن وجودها اسمياً ضمن التحالف يدعم بقاء السعودية في حرب اليمن. ومن المرجح أن تدفع السعودية نفسها لتسحب ببطء البساط من تحت الإمارات لتشرف الرياض رسمياً على عدن وباقي المحافظات الجنوبية. ويبدو أن التحالف هو المسؤول عن طرد دولة ضمن الائتلاف، كما حدث مع إخراج قطر من التحالف العربي (2017). لكن باستطاعة الحكومة إعلان ذلك ما سيجبر السعودية على تبنيه باعتبار اليمن هي صاحبة "مشروعية التدخل".

 

من جهة أخرى تتأثر السياسة الخارجية لأبوظبي بما تفعله في اليمن، حيث ستكون الدول أكثر حذراً وتدقيقاً في الوجود الإماراتي على أراضيها والتحالفات التي تنسجها، وهي تجربة لا تنفذها أبوظبي في اليمن فقط بل في دول أخرى في المنطقة، ما يعني ان خسارتها مستقبلا كبيرة.

 

-  تزايد النفوذ الإيراني:

منذ سيطرة "المجلس الانتقالي الجنوبي" على عدن تزايد الدعم الإيراني للحوثيين. وما يُثير الكثير من الاستفهامات هو التحوّل الإيراني في زيادة الدعم عقب حضور وفد إماراتي عسكري إلى طهران قبل وقوع الأحداث؛ قال الإيرانيون إنه جرى بحث ملفات المنطقة منها اليمن و"أن هناك توافقاً". عقب ذلك التقى المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، بمتحدث جماعة الحوثيين محمد عبدالسلام، في حالة نادرة هي الأولى فلم يسبق أن التقى المرشد بأعضاء جماعة موالية لطهران، ووافقت إيران على تعيين سفير لليمن عن طريق جماعة الحوثي المسلحة.

 

وإلى جانب أن لدى إيران حلفاء سابقين داخل المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، فإنها تسعى مع شركاء إقليميين ودوليين إلى دعم مكون جنوبي جديد - تحت التأسيس- يسمى ( مجلس الانقاذ الوطني الجنوبي) يجمع عدة تيارات جنوبية غير الانتقالي من بينها الحراك الجنوبي السلمي المطالب بالإنفصال بحراك المهرة ضد السعودية.   

 

- زيادة التدخلات الدولية:

عقب أحداث عدن نشطت الجهود الدولية، الأمريكيَّة على وجه التحديد لبناء اتفاق سلام في اليمن وتشكيل خطوط محادثات بين السعوديين والحوثيين. ويبدو أن الخارجية الأمريكيَّة بدأت بالفعل بمشاورات مع الحوثيين، من أجل التحضير لمشاورات بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية في "مسقط" وسيرأس السفير الأمريكي "كريستوفر هنزل" المشاورات. ويصب في ذلك الاتجاه زيارة الأمير خالد بن سلمان (مسؤول الملف اليمني ونائب وزير الدفاع) إلى واشنطن ولقاء وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو".

 

وعقب اللقاء قال بومبو في تغريدة على موقع تويتر "لقد عقدت اجتماعًا مثمرًا مع خالد بن سلمان اليوم لمناقشة اليمن والأمن البحري". وقال "من المهم للغاية بالنسبة لوحدة اليمن واستقراره وازدهاره أن تحل الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي نزاعهما."

 

من جهته قال وزير الدفاع الأمريكي مارك أسبر إن الدعم الأمريكي للسعودية في اليمن يقتصر على الدفاع. وأضاف أنه كان يناقش استعداد أطراف النزاع في اليمن للتوصل إلى اتفاق سياسي.

 

وإذا ما استمرت الأوضاع في التدهور، والشرعية اليمنية في التآكل، ستحاول السعودية من خلال أمريكا الدخول في مشاورات من أجل تحييد القوة الصاروخية وطائرات بدون طيار للحوثيين، لكن ثمن ذلك سيظهر على موقفها تجاه الحكومة الشرعية وهو موقف لم يقويه البيان الأخير بالوقوف غلى جانبها طالما حصل تغاضي عن قيام الإمارات تنفيذ "تمرد مسلح" جنوبي اليمن.

 

في ذات الاتجاه دعت الإمارات إلى تدخل دولي لمواجهة الإرهاب في اليمن عقب قصفها وحدات الجيش اليمني على مداخل مدينة عدن يوم 29 أغسطس/آب2019، لكن الرد جاء من واشنطن بتهنئة الخارجية الأمريكية لليمن بإنضمامه إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة "داعش" ليصبح بذلك العضو الـ81 بالائتلاف.

 

كما أن هناك تحرك روسي جديد بخلاف الموقف المتذبذب سابقا خاصة وأن موسكو ستتولى رئاسة مجلس الأمن، وقد بدأ ببيان الخارجية الروسية الذي عبر عن القلق من الغارات الإماراتية على الجيش اليمني ، معتبرا تقسيم البلاد"يصب في صالح الجماعات الإرهابية".

 

وإلى جانب لقاء القادة الروس بقيادات حوثية، التقى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بقيادات من المجلس الانتقالي، وقيادات معارضة للانتقالي تحت مسمى مجلس الانقاذ الوطني الجنوبي ( تحت التأسيس) أثناء زيارته لمسقط نهاية أغسطس الماضي.

 

تقاطع النفوذ الإماراتي السعودي :

في عام 2016، جرى حديث أن الإمارات والسعودية تقاسمتا بالفعل العمل في اليمن بحيث تشرف أبوظبي على عمليات التحالف جنوب اليمن وساحل البحر الأحمر -بعد خسارة ثقيلة للسعودية أدت إلى وفاة واحد من أبرز قادتها بقصف تبناه الحوثيون قرب باب المندب وهو العقيد عبدالله السبهان- وتشرف الرياض على العمليات العسكرية ضد الحوثيين شمال ووسط وشرق اليمن. وهو ما فتح الباب بالكامل لأبوظبي لبناء أهدافها وطموحاتها في اليمن منذ بدء إشرافها على المحافظات المحررة جنوب اليمن.

 

بدأ الانفصاليون يتحركون كسلطة مع تزايد ضغوط الإمارات على الشرعية في تعيينهم بمناصب هامة 2016م. وشكل انعدام الأمن ونشاط التنظيمات الإرهابية مبرراً للإماراتيين لبناء تشكيلات شبه عسكرية موازية للسلطة الشرعية، من بين هؤلاء منير العشملي اليافعي -الذي قُتل في أغسطس/آب2019 بقصف الحوثيين- والذي لعب دورًا رئيسيًا في تشكيل تلك التشكيلات شبه العسكرية المدربة والمجهزة من الإمارات والتي عُرفت "بالأحزمة الأمنية" و"النُخب". وعادة ما اعترف "عيدروس الزُبيدي" الذي كان محافظاً لعدن وعدد من المحافظين الذين عيّنهم عبدربه منصور هادي بضغط إماراتي بنيتهم "انفصال جنوب اليمن".

 

الإمارات مهتمة بشكل أساسي بالسيطرة على جنوب اليمن بالذات على موانئ الجنوب والغرب، وخاصة ميناء عدن الاستراتيجي، لتأمين سيطرتها على خطوط الشحن التجارية في المنطقة؛ كما أنها مهتمة بالوجود قرب مضيق باب المندب الحيوي وجزيرة سقطرى التي يمكن أن تصبح قاعدة عسكرية وغرفة عمليات متقدمة لقوتها في خليج عدن والقرن الافريقي.

 

كما تسعى أبوظبي وراء التواجد بالقرب من مضيق باب المندب لحماية مصالحها المتعلقة بالشحن والتجارة وإظهار ذاتها كقوة صاعدة في المنطقة. وتأمل أن تكون الشريك الأقوى لأمريكا في مكافحة الإرهاب ، كما أنها ترى في ميناء بلحاف النفطي في شبوة الذي يصدر منه الغاز المسال بوابة لمنافسة إيران وقطر في سوق الغاز الطبيعي.

 

الإمارات والسعودية كليهما يبحثان عن منافذ على البحار المفتوحة جنوبا بعيدا عن تهديدات إيران باغلاق مضيق هرمز، فالرياض مهتمة بـ"المهرة" كونها تريد بناء ميناء نفطي هناك ، لكنها ترى  في مناطق الشرق بشكل عام الجوف مأرب شبوة حضرموت المهرة مناطق نفوذ وأمن قومي لها.

 ويبدو أن تقاطع النفوذ بين أبوظبي والرياض في نقاط حمراء تشمل بلحاف في شبوة والمكلا في حضرموت وسقطرى ، كما أن السعودية والشرعية اليمنية بموافقتهما على التهدأة في الحديدة عرقلا حسم قوات موالية للإمارات المعركة هناك ومنع ذلك سيطرتها على أهم ميناء يمني، وقد يكون ذلك الحدث عامل من عوامل استعجال أبوظبي في تفجير الأوضاع جنوبا كردة فعل انتقامية واسعة لا تقتصر السيطرة على الجنوب، بل هناك استعدادات لقوات في الساحل الغربي تابعة لها لاقتحام مناطق في أكبر المحافظات سكانا وهي تعز.

 

لم تُقدّم السعودية رأياً بشأن تمكن الانفصاليين في جنوب اليمن منذ 2016، وعلى الرغم من تشكيل "المجلس الانتقالي الجنوبي" في العام التالي، ظلت المملكة بعيدة عن التعليق حوله ه إلا باعتبار القضية الجنوبية قضية وطنية من المهم وضع حلول لها، رغم حديث مسؤولين يمنيين عن معارضة سعودية؛ ويعتقد مسئولون يمنيون أن السعودية تتلقى التقارير عن الأوضاع جنوب اليمن من المخابرات الإماراتية وليس عن السلطات المحلية رغم ما تحمله من "تزييف وتجهيل ومغالطات"، إلا أن هناك الكثير من المؤشرات التي تؤكد وجود مخاوف لدى السعودية من دعم الإمارات للقوى الساعية للإنفصال، لكن لا يوجد تأكيد بشأن وجود استراتيجية سعودية منافسة للإستراتيجية الإماراتية في جنوب اليمن.

 

لكن الأحداث الأخيرة في عدن وسيطرة المجلس الانتقالي ورفضه الانسحاب كما حدث في (2018) يجعل السعودية في موقف مُحرج لاعتبارين: الأول، أن السيطرة تعني فقدان "شرعية" الرئيس عبدربه منصور هادي ما يؤثر في مشروعية التدخل السعودي في اليمن؛ ويجعل من موقف الحوثيين أقوى بكثير من السابق. الثاني، كما أن من الصعب التخلّي عن شرعية الرئيس هادي ودعم المجلس الانتقالي ، فمن الصعب أيضا التخليّ عن الإمارات كشريك ضمن التحالف، إذ ستفقد السعودية غطاء دوليا لمواجهة الحوثيين في اليمن. وفي كِلا الحالتين فإن السعودية مضطرة للوصول إلى حلول توافقيه لكن ذلك لا يعني أن علاقتها الجيّدة مع الإمارات بشأن اليمن سوف تستمر بهذه الصورة، فالتحالف بين الدولتين في اليمن بدأ بالتفكك فعليا .

 

وأبرز مؤشرات الخلافات بين الدولتين بشأن اليمن:

- شعرت السعودية بأنها تعرَّضت إلى "ليّ ذراع" في جنوب اليمن، وهو ما أخبر به العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد (يوم 12 أغسطس/آب) خلال لقاءه عقب انقلاب عدن بالقول: إنه لن يعترف بأي معادلة جديدة تلوي ذراع المملكة وتقلل من دورها في جنوب اليمن. كما عبّر الملك سلمان عن غضبه من أبوظبي خلال لقاءه "عبدربه منصور هادي" في اليوم التالي ووعده بالوقوف إلى جانب الحكومة الشرعية.

- يبدو أن الملك سلمان بن عبدالعزيز، بدأ التفكير بالعمل بعيداً عن الإمارات التي اعتمدت المملكة عليها منذ 2016 في رصد الأوضاع والتحالفات في المحافظات اليمنية. حيث تشير معلومات إلى أن المملكة أحيّت مكتباً عسكريًا سعوديًا مسؤولًا عن العلاقات مع القبائل اليمنية وعينت قائد القوات السعودية المشتركة الفريق أول الأمير فهد بن تركي بن عبد العزيز على رأسه. بعد أن قام الملك سلمان بحلّ جميع الأجهزة الاستخباراتية والعسكرية السعودية الإماراتية المشتركة التي كانت تتواصل مع القبائل اليمنية منذ عام 2015.

- توجه السعودية لتخفيف اجراءاتها ضد قطر، مع أنباء وجود توجهن لحل مشكلتها مع قطر بوساطة كويتية وأمريكية ، قد يكون وراء غضب الإماراتيين الذين جعلوا من ملف اليمن وسيلة للي ذراع السعودية.

- دفعت السعودية بقواتها إلى محافظة شبوة، وجرى الإعلان عن ذلك رسمياً، في منحى يشير إلى مخاوف من محاولات أبوظبي السيطرة على المحافظة النفطية، كما أنه يشير إلى أن رغبة السعودية بإظهار "المجلس الانتقالي الجنوبي" ككيان مناطقي يمثل "الضالع ولحج" ولا يمثل جنوب اليمن، وقد يقود ذلك إلى تحديّ إماراتي جديد.

- قرار الإمارات بالانسحاب بدا للسعودية أن الإمارات اتخذته لخدمة مصالح خاصة بها، وتشعر الرياض كما لو أن أبوظبي تخلت عنها في اليمن بينما تحاول أبوظبي إظهار نفسها في صورة الشريك الأكثر نضجا الذي بمقدوره تحقيق استقرار المنطقة حتى إذا كان المغزى من وراء ذلك تقليص الخسائر والمضي قدما من دون الرياض.

- كما يبدو أن للبلدين الخليجين آراء مختلفة حول إيران الخصم اللدود. وقد سعى البلدان لدعم الولايات المتحدة على أخذ موقف أقوى من أنشطة طهران في المنطقة وقدراتها الصاروخية غير أن الإمارات تبنت نبرة أخف بعد التفجيرات التي وقعت في ناقلات النفط في مياه الخليج وحملت واشنطن والرياض مسؤوليتها لإيران. ويبدو أن الزيارة الإماراتية إلى طهران والتأثير على "سياسة الضغوط القصوى" التي تقودها واشنطن ضد إيران بدعم المملكة قد ألهم القادة السعوديين إلى أن أبوظبي تنجرف بعيداً عنها قريبا من إيران. فمخاوف الإمارات كونها مركز للأعمال تجاه التحركات الايرانية كبيرة، مقارنة بالسعودية التي تعد من أكبر الدول تصديرا للبترول في العالم وترى نفسها كعامل للاستقرار في المنطقة ولا تتأثر كثيرا بالتهديدات الإيرانية .

ولمواجهة الحديث عن خلافات بين الدولتين جرى إصدار بيان مشترك يدعو فيه المحللين من الدولتين على عدم انتقاص التحالف بينهما، لكن هذا البيان الصادر عن الخارجيتين بقدر ما يظهر محاولة تماسك التحالف العربي رغم الصدمات التي عرضتها أبوظبي إلى جسده، ومحاولة للتأكيد أن لا تغيّر مؤقتا في سياسات الدولتين في اليمن، إلا أنه كشف عن ازمة عميقة بين البلدين بدأت معالمها تظهر.

 

 لكن يبدو أن السعودية -بعد ما حدث في اليمن- تدرس بالفعل مستقبل التحالف مع الإمارات في نطاق أوسع وقد تتلقى أبوظبي ضربة إذا استمرت تحركاتها تهدد أمن السعودية.

 

وحتى ظهور موقف رسمي سعودي أو تحرك على الأرض يمكن القياس من خلاله درجة خلافات الرياض مع أبوظبي، بإمكاننا قراءة الموقف حاليا في سياق وجود تنسيق حذر بين البلدين في كل ما يحصل في اليمن بما فيها أحداث عدن الأخيرة، لكن إذا ما استندنا إلى سياسة الإمارات في اليمن التي تبدو أنها باتجاه دعم بقاء الحوثيين كمشكلة دائمة على حدود السعودية شمالا وتمكين نفسها من جنوب اليمن مستفيدة من الصمت السعودي اتجاهها كغطاء ولو مؤقتا، فإن التحالف بينهما سينهار في اي وقت.

 

وكما تسعى السعودية لإنهاء الحرب في اليمن في أي لحظة، مؤملة في اخضاع الحوثيين من خلال القوة أو الحوار، فإن الإمارات تدرك أنها ستخرج من اليمن بدون أي فائدة مالم تتحرك على الأرض مبكرا وتشكل لها كيانات وميلشيات وأذرع تأتمر بأمرها وتبقي نفوذها طويلا على الأقل في جنوب اليمن.

 

خيارات اللاعبين:

 

 أولاً: الإمارات

تملك الإمارات خياراً واحداً بناءاً على نقطة التحول الرئيسية باتهام الجيش اليمني بـ"الإرهاب" وهي المجازفة بكل شيء والدخول في مغامرة كسر العظم مع الجميع في اليمن والمنطقة والعالم، وخسارة علاقتها الجيدة بالسعودية.

 

ويبدو الخيار الأساس أمامها خيار صفري إما فقدان كلّ شيء بسيطرة الحكومة اليمنية أو أن تكسب كل شيء ببقاء وجودها ونفوذها في اليمن بعد انسحاب قواتها من البلاد لكن ذلك سيعني تحول المحافظات الجنوبية إلى بؤرة صراع مستمر، فمعظم اليمنيين يرفضون الوجود الإماراتي على أراضيهم.

 

 ثانياً: المجلس الانتقالي الجنوبي

لا يمثل المجلس الانتقالي الجنوبي، جنوب اليمن أو القضية الجنوبية، وأعطت أحداث أغسطس/آب تأكيداً على ذلك فـ"شبوة" و"حضرموت" و"المهرة" و"أبين" و"سقطرى" ستبقى خارج نفوذه ولا يمكنه تمثيلها. لذلك يملك المجلس الانتقالي خياران، الأول: المضي قُدماً خلف الخطط الإماراتية، وبذلك يكرّسون حرباً مناطقية مستعرة في المحافظات الجنوبية.

 

الثاني: المشاركة كمكون من المكونات الجنوبية والقبول بدمج الميليشيات التي دربتها الإمارات في الجيش اليمني ويبدو أن ذلك مستبعد. فالمجلس في هذه الحالة سيفضل الحرب طالما بقي تابعا لابوظبي.

 

 ثالثاً: السعودية

أعطت السعودية موقفها من أحداث أغسطس/آب ببيان نشرته يوم الخميس 5 سبتمبر/أيلول2019 يؤكد دعمها لحكومة الشرعية، ورفض إنشاء "واقع جديد" في اليمن بالقوة المسلحة. لكن خياراتها أعقد من ذلك فمن الصعب أن تجازف بخسارة التحالف في اليمن بطرد أبوظبي، على الرغم من أن تحركاتها تضر بالأمن القومي السعودي بشكل مباشر. لكنها قد تملك خياراً بعقد "تحالف سعودي-يمني" فقط لاستمرار مواجهة الحوثيين والميليشيات التابعة للإمارات جنوب اليمن، لكن ذلك قد يذهب بعيداً باتجاه توتر أكبر وأوسع في العلاقات بين الرياض وأبوظبي قد تنعكس على ملفات متعددة في المنطقة هما متحالفاتان فيها.

 

وعلاوة على أنه تهديد كبير للأمن القومي السعودي، فإن ما حدث جنوب اليمن، ظهر بشكل مباشر في "طهران" حيث اعترفت إيران للمرة الأولى بالحوثيين كسلطة أمر واقع بتعيين سفير جديد من قِبل الحوثيين وهو أمرٌ ظل مرفوضاً طوال سنوات الحرب.

 

الخيار الأخر أمام الرياض يتمثل في المضي قُدماً مع الرؤية الإماراتية في اليمن لكن ذلك سيكون مكلفاً للغاية على المملكة العربية السعودية على المدى المتوسط والقريب.

 

 رابعاً: الحكومة اليمنية

لقد مضت العلاقة بين اليمن والإمارات باتجاه الفراق، على الأقل خلال الحرب الحالية، فما قامت به "أبوظبي" سيء للتحالف والحكومة الشرعية، إذ أن هدف وجود الإمارات في اليمن كان إسقاط الانقلاب في صنعاء، لكنها دعمت انقلاباً جديداً في عدن!

 

أحد الخيارات الرئيسية أمام الحكومة هو المضي في تحالف مع السعودية لمواجهة انقلابين الأول في صنعاء والثاني في عدن، وعلى الرغم من أن ذلك مُكلف إلا أنه مهم دون وجود الإمارات ضمن التحالف، ودمج القوات شبه العسكرية ضمن الجيش والأمن إلى جانب تعديل في الحكومة. لكن ذلك يحتاج إلى موافقة ودعم سعودي كامل بالأسلحة والذخيرة والتمويل.

 

وبدون موافقة السعودية هناك عدة خيارات:

- إعلان إنهاء دور الإمارات: يعلن الرئيس هادي أن الوجود الإماراتي في اليمن لم يعد مرغوباً فيه، وأن ما تمارسه قوة "احتلال" خارج القوانين الدولية. ويمكن أن تكون عبر رسالة إلى مجلس الأمن باعتبار اليمن تحت الفصل السابع وقرار (2216) يعتبر "هادي" رئيساً شرعياً للبلاد. يضع ذلك السعودية في حرج كبير، لكن ذلك سيجبرها على الوقوف مع قرار هادي. بيد ان ردة الفعل الإماراتية والسعودية -اللاحقة- قد تكون غير متوقعة فقد يُعلن انتهاء التحالف على وقع مفاوضات جدية مع الحوثيين بشأن استهداف المملكة العربية السعودية.

 

فالوجود الإماراتي في اليمن لم يأتِ بناء على قرار من الأمم المتحدة أو الفصل السابع بل بطلب سعودي بعد دعوة الرياض من "الرئيس الشرعي للبلاد".

 

- الاعتماد على الجيش الوطني: ستحتاج الحكومة الشرعية إلى الجيش الوطني والمقاومة الشعبية بكل ثقلها لمواجهة مشروع الإمارات في المحافظات الجنوبية، ووقف الارتهان لقرارات التحالف وموافقته، لكن ذلك سيمر بمعضلتين: التسليح والتدريب فالحكومة لا تملك حتى مصنعاً للذخيرة (حتى لو كان بدائيا) في مناطق سيطرتها، ناهيك عن صعوبة في الحصول على صواريخ حرارية ذكية يؤمنها من هجمات الطيران الإماراتي.

 

- تحالفات جديدة: يمكن للحكومة الشرعية الخروج من حالة الارتهان للتحالف العربي، بالبحث عن تحالفات جديدة في المنطقة للحصول على تمويل وتسليح مناسب تلتقي من خلاله الحكومة الشرعية وتلك الدول في الأهداف والمنطلقات.

 

الخيار الأول يحتاج إلى جرأة من قبل السعودية، ومن الأفضل للرياض تبنيه والوقوف مع الحكومة ضد الإمارات بسبب الانعكاسات السيئة لدعمها الميلشيات وتداعيات دعم التمرد المسلح وضرب الجيش بالطيران والذي سيضر بالأمن اللإقليمي مستقبلاً. أما الخياران الأخران فإنهما يحتاجان إلى وقت وجهد ونجاحهما صعب بدون دعم سعودي للحكومة اليمنية، وبإمكان الرياض أن توازن في تحقيق الخيارات الثلاثة، أي بالتحاور مع الإمارات لإنهاء دورها، والاعتماد على الجيش والمقاومة على الأرض، والبحث عن حليف اقليمي أو دولي جديد يغطي الفراغ الذي ستتركه ابوظبي.

 

*نقلاً عن مركز أبعاد للدراسات والبحوث


Create Account



Log In Your Account