مخاطر الهويات القروية
الجمعة 20 ديسمبر ,2019 الساعة: 07:09 مساءً

لا شيء يهدد وحدة المجتمع اليمني ووحدة الصف الجمهوري المناهض للمليشيات السلالية كتهديد الهويات الجهوية القروية التي يتم الدفع بها هذه الأيام إلى الصدارة لتكون عنوانا بارزا لدى بعض الحالمين بالتقسيم والتمزيق للجسد اليمني، سواء أكان هذا التقسيم ذا نزعة انفصالية بين شمال وجنوب، أو نزعة قروية بين القرى والمديريات في المحافظة نفسها. هذه النزعات المادون وطنية باتت الوجبة اليومية لدى الكثير من مشروخي الولاء والانتماء الوطني، إذ نراهم ينفثون سمومهم في أوساط المجتمع لاصطناع صراع بيني تحت يافطات الهويات القروية والجهوية.

 

وكما هو معلوم، فإن الصراع في اليمن ظل منحصراً بين هويتين، هوية يمنية أصيلة وهوية سلالية دخيلة، وقد كان يصل هذا الصراع إلى ذروته عند كل تمدد للسلالة الإرهابية، كما حصل بعد عام 2014 وصولاً إلى ما نشهده اليوم؛ ثم يتلاشى أو يبقى كامناً مع انحسار هذا التمدد كما حصل بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م. هذا الصراع القديم المتجدد سببه الرئيس وجود كيان سلالي هاشمي داخل كيان الدولة اليمنية، كيان يرفض رفضاً مطلقاً الانصهار في بوتقة النسيج المجتمعي اليمني كما انصهرت كل الأعراق التي قُدِّر لها أن العيش على التراب اليمني، ولو أن الهاشميين ذابوا في النسيج المجتمعي اليمني وتخلوا عن مشروعهم السلالي الإرهابي الذي قتل اليمن واليمنيين طيلة قرون من الزمن، لما كنا في هذا الحال ولما طالب اليمنيون بوأد هذا الإرهاب السلالي الدخيل وتفكيك كيانه حماية لمستقبل اليمن الآمن ومستقبل أجياله.

 

ما يدعو للأسف والاستهجان اليوم هو أن هناك مجاميع منحرفة تسعى بقضها وقضيضها لسلخ الوحدة المجتمعية وتفكيكها إلى هويات قروية قاصمة، ليس فقط بين شمال وجنوب ولا بين سهل وجبل، بل بين مديرية وأخرى ضمن إطار المحافظة الواحدة كما يحدث راهنا في تعز!! هذا السعي الأهوج لفسفطة اليمنيين واصطناع هويات قروية تمييزية بينهم وشحن المجتمع بنغمات مناطقية قروية، سيكون أثره مدمّراً على المدى البعيد وسيترك ندبة دامية في قلب هذا الجيل ولن تسلم من تبعاته الأجيال اللاحقة. هذا بالإضافة إلى أن تأثير هذا السعي الطائش سيمتد إلى المعركة الوطنية ضد السلالة الاجرامية التي قتلت اليمني ولاتزال تقتله إلى اليوم، وأية محاولة لتفتيت المجتمع اليمني ونسيجه الجمهوري تحت أي مسمى خاصة المسميات القروية سيرتد على معركة اليمنيين المقدسة في استعادة دولتهم وجمهوريتهم، ولن يكون المستفيد في النهاية سوى السلالة الإرهابية الغادرة.

 

إن استغلال دم شهيد الجمهورية القائد عدنان الحمادي لتفتيت اللحمة المجتمعية هو خيانة لدمه الطاهر وخيانة لمبادئه الجمهورية التي قدّم روحه في سبيلها منذ أول خطوة في الكلية الحربية وحتى آخر طلقة ضد المليشيات السلالية الغادرة، فالشهيد الحمادي لم يكن يوما من أصحاب المشاريع الصغيرة، قروية كانت أو حزبية، بل كان يحمل مشروعا وطنيا جامعا،ً تشرّبه صبيّاً حتى سكن سائر خلايا جسده، ومثله كان نائبه الشهيد محمد العوني المخلافي، الذي واجه الغزاة في مديريات صبر وغيرها حتى شمخ إلى ربه وهو يخوض رحى المعركة الوطنية المقدسة.

 

على أولئك النفر الذين ينفخون في كير الفُرقة المجتمعية أن يرعووا وينظروا لليمن العظيم من بابها الواسع الرحيب لا من نافذة القرية والمديرية، فاليمن كبير ورحْب، حدوده ممتدة من سويداء القلب وحتى أقاصي الذاكرة. لا تسكبوا النار في الهوية الوطنية الجامعة لتحترق وتحترقوا ونحترق جميعاً في لظاها، انشروا الود والحب بين بني جلدتكم، فوطنكم يئن وينزف من كل جزء في جسده، وملايين اليمنيين هائمين في الشتات الداخلي والخارجي، والمعركة الوطنية لم تعد تحتمل تمزيقا أكثر مما هي فيه، تساموا بقدر سمو اليمن وشموخه، فهذا البلد العظيم عصي على الانكسار، ومهما  كانت جراحه نازفةً فسيأتي اليوم الذي يضمّد فيه جروحه وينهض من بين الرماد كطائر الفينيق.


Create Account



Log In Your Account