محمد عبدالوهاب الشيباني يستعرض  كتاب علي محمد زيد الجديد ويكتب : من "مملكة الظلام" إلى " الثقافة الجمهورية" في اليمن
الأحد 16 فبراير ,2020 الساعة: 10:33 مساءً

في زيارته الأخيرة لصنعاء صيف 2019 انهمك الدكتور "علي محمد زيد" في التنقيب والبحث في ـ والسؤال عن ـ الكثير من الكتب والمراجع  الخاصة بتكوين اليمن الجديد في جانبه الثقافي، وعلى مدى اشهر بقيت ارقب هذا المنتوج ، لمعرفتي الاكيدة بالإضافة التي سيحققها بجهد مؤلفه وعقليته العلمية والبحثية الرصينة.

 

وفي أول أيام معرض القاهرة للكتاب "يناير2020" نشر الصديق "مصطفى ناجي الجبزي"  في صفحته  صورة لغلاف الكتاب الذي صدر عن "مؤسسة أروقة"  بمسمى " الثقافة الجمهورية في اليمن" وبعدها بيومين أرسل لي المؤلف نفسه نتفة من  مفتتح الكتاب.

 

كل هذ شجعني اكثر للحصول على محتوى الكتاب، وهو الأمر الذي صار فعلا منذ ايام وبواسطة الصديق "عبد الكريم قحطان"  الذي مدني بنسخة الكترونية منه ، لمحدودية النسخ التي طبعت منه "تجريبيا" بالتزامن مع معرض القاهرة.

 

الكتاب بمضمونه هو إجابة  طويلة ومتشعبة على سؤال اطلقه بعض الشبان الذين التقاهم المؤلف ويُختزل في " ما الذي صنعته جمهوريتكم؟"  ، وفي تمهيد لهذه الاجابة قال المؤلف في مقدمة الكتاب: "تريد للقراء ممن عرفوا شيئا عن هذا التجديد أن يتذكروا وألا ينسوا ما أحدثته الجمهورية من تغيير في حياة اليمنيين، وللأجيال الجديدة أن تعرف عن بلادها وتدرك ما عاناه الآباء، لكي تنطلق في عالمها الجديد وتبدع وتضيف وتلتحق بعصرها حتى لا يبقى اليمن دائما ذلك المجهول المعزول الغريب عن عالمه، وأن ترفض المراوحة في المكان نفسه، والدوران في الخواء، والجري وراء الأوهام، والغرق كما في الماضي في دوامة الفقر والجهل وعدم الإبداع، وأن ترفض بقاء اليمن عالة على غيرها، يتيمة في عصرها، سادِّرةً في تخلفها وبؤسها".

 ومن هنا "يصبح من حق الجمهورية علينا، نحن "جيل الجمهورية"، أي الجيل الذي فتحت له باب الأمل والنجاة من الغرق في غياهب العزلة والانغلاق وأخرجته من ظلام القرون الغابرة ليتمسك ببصيص من نور القرن العشرين، أن ندافع عنها وأن نستعرض الأحوال التي جعلت منها عملية قيصرية ضرورية لإنقاذ شعب اليمن من الاضطهاد والانقراض".

 

- في مقاربته لموضوع العزلة والانغلاق في "الفصل الأول"  اعتمد المؤلف بدرجة رئيسة على كتابي امين الريحاني المعنون "ملوك العرب " وكتاب الطبيبة الفرنسية كلوديا فايان المعنون "كنت طبيبة في اليمن" لتقريب تلك الصورة البائسة ،باعتبارهما  من أهم الكتب التي صورت حالة العزلة والانغلاق والتخلف في اليمن التي فرضها الامام يحيى وابنائه  في ثلاثة عقود كاملة ، واستشهد ايضا بآراء لمحسن العيني ولمحمد سعيد العطار ولأحمد حسين المروني في ذات الموضوع.

 

هذه العزلة وهذا الانغلاق انعكسا بدورهما وبشكل  مباشر على الحياة الثقافية، فصار الادب تقليديا، استتبعها ضمور في حركة التأليف والنشر "فظلت الحركة الثقافية راكدة بركود الحياة العامة كلها في مملكة "النفق المظلم". وكانت الكتب الجديدة تهرب كما تهرب المخدرات، ويتم تداولها سرا".

 

 

كثيرا ما كان  يتباهى النظام المتوكلي ، بصيغته الامامية ، بأنه يدير أول دولة مستقلة في المنطقة، غير أن النظام الاستبدادي هذا "فرَّغ الاستقلال من مضمونه باعتباره وسيلة لإطلاق طاقات الشعب في البناء والتطوير وتحسين مستوى معيشة السكان، وحوَّله إلى سجن كبير مظلم، وقيد على تحرر الشعب من الفقر والجهل والمرض. فأية قيمة لاستقلال يغلق حياة الناس على البؤس ويفرض عليهم العزلة والهامشية ونقص القيمة، ويقودهم نحو الانقراض؟".

 

- الفصل الثاني  خصصه المؤلف بالكامل للمنجز الشعري والنثري لمحمد محمود الزبيري، باعتبار ذلك حالة مجسمة لتحول المثقف الخارج من براثن العزلة والتقليد، وكيف صار شعره ونثره الفني " ثورة الشعر" والسردي " بلاد واق الواق" معبِّرا عن خطاب الاستنارة والمقاومة التي احدثتها حركة الاحرار اليمنيين منذ تأسيس حزب الاحرار في عدن في العام 1944، والذي كان الزبيري ومعه الاستاذ النعمان على رأسه منذ افلاتهما من سيف ولي العهد في تعز.

 

(فقد نجح الزبيري في اجتراحه بين الشعر وحياة الشاعر والقضية التي نذب نفسه لها، فكانت المعجزة الشعرية الكفاحية الجميلة التي جعلت الزبيري ساحر الشعر وحولت الشعر إلى وسيلته للسباحة في سماوات الخيال والإبداع وجمال الروح والمعنى، والصعود إلى ذرى لم يبلغها أي شاعر يمني معاصر له).

 

- "دور مستعمرة عدن في التغيير الثقافي في اليمن"  كان عنوان الفصل الثالث من الكتاب، وفيه تتبع المؤلف  دور الجمعيات والاتحادات والنقابات والاحزاب التي نشأت في المدينة، والتي لعبت ادروا في التحول الذي شهدته مناطق الشمال اليمني ومناطق المحميات الشرقية  والغربية ذاتها ، فمن نشاط الجمعيات والنوادي  قبل قيام الجمهورية كان ( تهريب الكتب والمطبوعات إلى الداخل، فكانت القناة الرئيسية لتسرُّب المواد الثقافية ولنشر الوعي بالحاجة إلى التغيير وأن هذا التغيير لا يقبل التأجيل، وحين حدث التغيير الجمهوري تدفقوا بالآلاف لنصرته والوقوف بجانبه والتضحية في سبيله).

 

وتتبع أيضا دور المطابع الحديثة في انتاج وتسويق الادب الجديد من قصة ورواية ومسرح، حيث شهدت المدينة ولادة اول  رواية " سعيد"، واول مجموعة قصصية" انت شيوعي"، وعرضت فيها اول مسرحية في العشرينات حين قدِّمت مسرحية "شهداء الغرام" التي اقتبسها نجيب حداد من مسرحية "روميو وجولييت" لوليام شكسبير، (وقد كان من الطبيعي أن يكون ظهور القصة القصيرة والرواية مرتبطا بازدهار الصحافة الليبرالية الحديثة في عدن ابتداء بصحيفة "فتاة الجزيرة" ومطبعتها وحتى تعدد الصحف في الخمسينات والنصف الأول من الستينات. فليس من الممكن أن تزدهر القصة القصيرة والرواية في مجتمع تقليدي منغلق لا وجود لحركة ثقافية فيه).

 

- النعمان الابن " محمد احمد نعمان" وتجديد اللغة السياسية ودعوته الباكرة للجمهورية، هو عنوان "الفصل الرابع"  من الكتاب فهو يرى في " محمد أحمد نعمان سياسيا يمنيا مميزا قام بدور مهم في التغيير السياسي والدعوة إلى تجديد الفكر السياسي في اليمن الحديث. فقد جمع بين السياسي المحنَّك المحاور اللبق المناوِّب من جهة، والمفكر السياسي المبتكِّر للمفاهيم السياسية الجديدة، المبادِّر الصريح من جهة أخرى، وهما صفتان إذا اجتمعتا كانتا مصدر تنازع وعدم رضى أو سوء فهم من قبل الآخرين أحيانا. اقتحمت السياسة حياته منذ الطفولة ولم تترك له أية فرصة لينعم بطفولة وادِّعة. فقد التهمت طفولته ومراهقته واستغرقت كل حياته. ومع أنه تفتح على السياسة خلال مرافقته لوالده منذ الطفولة، كان من الذكاء بحيث صنع من تجربته المبكرة شخصيته الخاصة. فلم يكن مجرد ظل لوالده، بل كان منذ البداية ينظر إلى الأمور من زاويته الخاصة، ويجرِّب ويحاول ويجتهد كي يضيف شيئا جديدا إلى ما يعايش في حركة الأحرار منذ بدايتها."

 

- "اصدارات رائده اثرَّت في تكويننا الثقافي" هو عنوان الفصل الخامس من الكتاب، وفية قام بمقاربات فكرية ونقدية، لكتب "ابن الأمير وعصره" و"التخلف الاقتصادي والاجتماعي في اليمن" لمحمد سعيد العطار و"اليمن" و "غريب على الطريق" لمحمد أنعم غالب  و"طريق الثورة اليمنية" لمحمد علي الشهاري  و"نظرة في تطور المجتمع اليمني" لسلطان أحمد عمر  و "دراسات فكرية وأدبية، وكتابات"  لأبي بكر السقاف.

 

- "الفصل السادس"  خصصه المؤلف لقضية التعليم  من زاوية كون  انعدام التعليم ظل  رمزا لغربة نظام ما قبل الجمهورية عن العصر الحديث، ويرصد في تتبعه لبشائر الخروج من السجن الكبير ومنها   بعثة العراق 1936 التي قال عن نتائجها  ( أن استنارة بعض أعضاء هذه البعثة  قد كانت عميقة ومدهشة بحيث ظل بعض أفرادها يثابرون في العمل من أجل التغيير ويدخلون السجون ويخرجون ليواصلوا نضالهم دون تراجع أو إحباط كبير يدفعهم إلى التخلي عن قناعاتهم، على الرغم من شدة بطش النظام. وبعضهم قدم حياته ثمنا لقناعاته وأعدِّم بالسيف، لكن بعض من ظل منهم على قيد الحياة لم يتراجع ولم تتزعزع قناعاته حتى نجحت عملية التغيير وشابك في العمل الثوري حتى آخر لحظة، مثل السلال وغيره من الرواد الأوائل، وعن مخرجات  بعثة الأربعين  الى لبنان ومصر 1947  قال "انه حين قامت الجمهورية اعتمدت على الكثير من هؤلاء الطلبة المؤهلين في البناء الجمهوري الجديد، من بينهم محسن العيني الذي كان وزيرا للخارجية ورئيسا للوزراء لعدة مرات، وحسن مكي الذي أصبح وزيرا أكثر من مرة ونائبا لرئيس الوزراء وبئيسا للوزراء ومن القيادات الاقتصادية والتنموية، وأحمد المحني الذي أصبح وزيرا، وعبدالله جزيلان الذي انطلق التحرك العسكري لقيام الجمهورية من الكلية العسكرية التي كان مديرها، وعبداللطيف ضيف الله الذي كان من أهم الضباط العسكريين الذين قادوا تنظيم الضباط الأحرار وأصبح وزيرا ورئيسا لأركان الجيش، وعبدالله الكرشمي الذي أصبح وزيرا ورئيسا للوزراء، وغيرهم".

- محمد الشرفي نموذجٍ  للتمرد على الثقافة التقليدية هو كل ما يمكن ان يقوله "الفصل السابع" ، وفيه ينجز المؤلف قراءة نافذة  للتجربة الشعرية والمسرحية للشاعر محمد الشرفي، الذي نذر شعره الباكر لنصرة قضية المرأة  وتحديدا  في مجموعته الرائدة " دموع الشراشف" وان ما انجزه من نصوص مسرحية باكرة وكتبها شعرا تارة على نحو " في ارض الجنتين" او نثراً  في نص" حارس الليالي" صنَّفته كأحد رواد الكتابة المسرحية في اليمن

(يختار محمد الشرفي أن يكون مؤسسا لتيار جديد في الشعر والنثر في اليمن، باختياره لقضية المرأة وللتعبير عن معاناتها وهي تتلفع بشرشف أيود يمنع عنها التنفس ويحولها إلى شيء مرذول ينبغي أن يغطَّى ويحجب ليتجنب الناس ضرره وسوئه، وعاهة ينبغي سترها عن الأعين. ينظر الشرفي إلى الشرشف الأسود الذي يلف المرأة باعتباره رمزا لاحتقار المرأة وللتمييز ضدها ولفرض الجهل عليها ولاستبعادها من التعليم والعمل ومن المشاركة في الحياة العامة).

 

- في الفصل الثامن من الكتاب الذي كرَّسه لقراءة تجربة رائد القصة القصيرة في اليمن " محمد احمد عبد الولي" تحت عنوان " القصة القصيرة وتطير النثر في اليمن" يقارب وبكثير من الفحص النابه التأثيرات النفسية والثقافية للكاتب المولود في احد احياء العاصمة الاثيوبية في العام 1939 لام اثيوبية واب من المهاجرين اليمنيين. وبعد طفولة قصيرة في بلد المولد يؤتى به الى قرية الاب، ثم يعود بعد سنوات قليلة مرة اخرى الى موطن الام لمواصلة دراسته، وحين ينتدب للدراسة الازهرية في العاصمة المصرية منتصف الخمسينات، يبدأ تشكل وعيه السياسي في اطار اليسار، وفي تلك الفترة سيبدأ بكتابة القصة القصيرة التي تلتقط افكارها من قساوة الحياة ، ولن تصل الى نضجها الباكر الا في العام 1958 بنصوص متفرقة كتبها في الغالب في القاهرة قبل طرده مع مجموعة من اقرانه ، بتهمة الشيوعية ،وستتواصل الى اوائل الستينيات حينما يستقر في موسكو طالبا في معهد غوركي للأدب  ، بعد تركه لمنحة دراسة الهندسة، ومعظم هذه النصوص ستؤلف مجموعته القصصية الاولى " الارض يا سلمى" والتي سيقول عنها المؤلف (تُرسي أساسا متينا لميلاد كاتب فنان، وتوطد في الحياة الثقافية اليمنية تيارا جديدا في النثر الأدبي مغايرا تماما للموروث التقليدي الذي ساد الحياة الثقافية اليمنية قبل قيام الجمهورية. وينبغي أن نتذكر أن محمد عبدالولي قد كتب هذه القصص واليمن تعيش في عهود الظلام وتعاني من العزلة بالمعنى المادي والمعنوي، والثقافي خصوصا، حتى عن أقرب البلدان العربية إليها، وعن تيار حركة التحرر العربية التي بلغت أوج اندفاعها بالوحدة المصرية السورية سنة 1958)، الى جانب مجموعة "الارض يا سلمى"  ينجز المؤلف قراءات معمقة لمجاميع " ريحانة" و"عمنا صالح" و" شيء اسمه الحنين"

 

- الفصل التاسع حمل عنوان " بيان الشعر الجديد في اليمن" ، معتبرا مقدمة الديوان المشترك للشاعرين عبده عثمان محمد وعبد العزيز المقالح  المعنون "مارب يتكلم" الصادر في العام 1971وكتبها الاخير بمثابة اللحظة الفاصلة بين مرحلتي التقليد والتجديد في الشعر اليمني، وهي التي اختزلت احلام جيل السبعينات الشعري بتمرده وتجديده  فقد كانت (وثيقة يمنية ثقافية تاريخية فارقة في تطور الشعر في اليمن. فقد عرضت بحماسة واقتناع ووعي كل الحجج التي دارت خلال الصراع بين القديم والجديد في الثقافة العربية ونقلتها إلى الحركة الثقافية في اليمن، وزودت كل من يتعاطف مع تطور فن الشعر أو يتفهمه بأدوات نقدية جديدة وبدفاع مجيد يستطيع أن يستند إليه في الدعوة إلى التغيير في فن الشعر في اليمن لمواكبة التغييرات التي بدأت البلاد تشهدها وبخاصة في المجال السياسي، بالانتقال من نظام العزلة والانغلاق والتخلف إلى النظام الجمهوري بوعوده للتغيير والتطوير. وترافق كل ذلك مع وصول اليسار في عدن إلى الحكم وما أطلق في حينه من آمال عراض ووعود حالمة).

الشاعران ابراهيم صادق صاحب "عودة بلقيس" وعبده عثمان صاحب " فلسطين في السجن" صارا في هذا السياق، الى جانب بعض قصائد المقالح الباكرة، نماذج للقراءة والدرس في تعيينات التجديد الشعري وقضايا الريادة الزمنية والجمالية.

 

- اخر فصول الكتاب خصصه المؤلف لـ"الاسهام الاهلي في تجاوز الركود الثقافي" والذي ابتدأ من وجهة نظر المؤلف بمبادرة محمد عبد الولي حين اشترى عام 1970 مطبعة كان يمتلكها أحد أصحاب الصحف الأهلية في عدن وأسس في تعز دار نشر أسماه "الدار الحديثة للطباعة والنشر" وبدأ بإصدار الكتب. ومن بواكير إصداراته مجموعتان شعريتان رائدتان في مجال الشعر الحديث أو الشعر الحر، تستدرك بهما حركة الشعر في اليمن تأخرها عن مواكبة الشعر الحر في الثقافة العربية، الأولى مشتركة لعبده عثمان وعبدالعزيز المقالح، بعنون "مارب يتكلم"،  والمجموعة الشعرية الأخرى لعبدالعزيز المقالح بعنوان "لا بد من صنعاء"، وتم طبع هاتين المجموعتين الشعريتين سنة 1970 . كما طبع مسرحية محمد الشرفي "حريق في صنعاء".

 

النموذج الثاني للإسهام الاهلي كان مجلة الكلمة التي اصدرها في مدينة الحديدة اواخر العام 1971 محمد عبد الجبار سلام وقد صدر العدد الأول منها في شهر ديسمبر من ذات العام ، وبدأت تستكتب من استطاعت من الشعراء والنقاد والكتاب والصحفيين اليمنيين. وبمساعدة من عمر الجاوي تم شراء مطبعة من عدن تعمل بالرص اليدوي ويعلن العدد الأول من المجلة الطموح الكبير لأن يكون لها أثرٌ "في درء الموت، ولأننا مؤمنون أن معركتنا الاجتماعية في جوهرها لا تخرج عن كونها مواجهة حقيقية مع الموت المتمثل في( التخلف، الجهل، الجوع، القهر، إلى آخر ما في قائمة الواقع" من تحديات. ويعتقد أن عمر الجاوي هو من كتب هذه الافتتاحية، لأن المجموعة اليسارية التي تقف وراء إصدار المجلة كانت تهتدي بأفكاره.

 

أما مجلة الحكمة التي اعاد عمر الجاوي اصدارها  في عدن باسم اتحاد الادباء والكتاب اليمنين في العام 1971 فهي الاسهام الاهم في تلك المرحلة (ولم يكن اختيار اسم "الحكمة" صدفة، بل يرمز إلى مواصلة هذه المجلة الجديدة لدعوة التنوير التي حاولت الحكمة القديمة بثها في أواخر ثلاثينات القرن العشرين. وكانت الحكمة الجديدة في الواقع منبر الجاوي الذي جعله حاضرا في قيادة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وفي الحركة الثقافية اليمنية والعربية. لقد كان حامل لوائها ومحركها والقطب الذي يدور من حوله كل من عمل في المجلة حتى حين تضطره الظروف للابتعاد عنها. كان حضوره الثقافي والسياسي طاغيا، وصوته الوطني والإنساني عاليا، وكانت الحكمة توأم بوحه وأداته النضالية وصوته المميَّز داخل الاتحاد، وحاملة مشروعه الثقافي والوحدوي، ووسيلته لحشد أعضاء الاتحاد وأنصابه من حول قضايا الثقافة والنهضة ورفض استدامة التخلف).


Create Account



Log In Your Account