العرش العظيم
السبت 22 فبراير ,2020 الساعة: 02:58 مساءً

ذات مرة من العام 1996  كتب الصديق عبدالسلام الشعيبي مقالا عن مكونات أحجار الأهرامات في مصر قائلا "إنها خرسانة مسلحة"، معتمدا على معلومات باحث آثاري فرنسي، كما قال لي في نقاش خاص، واستدل على ذلك بالآية القرآنية ((وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَأُ مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرِی فَأَوۡقِدۡ لِی یَـٰهَـٰمَـٰنُ عَلَى ٱلطِّینِ فَٱجۡعَل لِّی صَرۡحࣰا لَّعَلِّیۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰۤ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّی لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلۡكَـٰذِبِینَ)
[سورة القصص 38]. 
احتج يومها الرئيس المصري حسني مبارك على الأمر فأوعز الى الرئيس السابق صالح بمحاكمته وسجن قرابة عام كامل!
في زيارات عديدة قمت بها إلى عرش بلقيس بمارب، ذلك المعلم التاريخي البارز، وأنا أتفحص حجارته وآثاره وجدت بعضها مكونا من الخرسانة المسلحة (السوداء) وربما تعرضت للحرق والطبخ أثناء صناعتها ويصل وزن بعضها إلى مابين طن وطنين، فتذكرت ذلك المقال.
لفتات عديدة لمكونات حجارة العرش المتنوعة؛ فهي مابين حجارة ضخمة من المرمر المهندم المصقول حد الشفافية والمقطوع بطريقة هندسية رائعة ومستقيمة دون أي انحراف وكأنها قطعت بأدوات قطع حديثة، يصل وزن بعضها إلى حوالي طنين، لكن المبهر حقا هو طول تلك الاعمدة الشامخة شموخ رجال مارب وابنائها وجبالها والتي يصل طولها وارتفاعها ما بين 10 و12 مترا ووزنها قد يصل إلى 5 أطنان، ليقفز سؤال مباشر إلى الذهن: أية آلة ووسيلة نقلت تلك الحجارة من أماكن بعيدة لتصل إلى هذا المكان الصحراوي علما أن أقرب نقطة من الجبال المحيطة بالمدينة مابين 5 إلى 8 كيلو مترات إذا افترضنا أنه تم نقلها من هذه النقطة القريبة؟!
هنا يتجلى التشابه او معنى الآية ( وثمود الذين جابوا الصخر بالواد. وفرعون ذي الأوتاد) وإن كانت لا تنطبق على مارب وعرشها بحسب السياق!
هناك حجر مربع ذو فتحة مربعة وسطه يقع وسط باحة العرش يبدو أنه كان مذبحا للقرابين من خلال مواصفاته تقع مساحته الكلية 3×3 أمتار تقريبا وارتفاعه حوالي 40سم وكتب على حافته نقش مسندي سأكشف عن أهم ما حواه هذا النقش قريبا إن شاء الله. وقد يتجاوز وزنه ال5 أطنان، فكيف تم نقله وتركيبه بهذا الحجم؟!
وهذا يدعم اهم صفة كشفها القرآن الكريم عن أهل سبأ بقوله: (نحن أولو قوة وأولو بأس شديد...)!
لنعد إلى الحجارة الخرسانية وصناعتها؛ فعلى ما يبدو فقد كانت صناعة الخرسانات سابقة ومشهورة في الزمن الغابر وليس وليدة اليوم، لكن الملفت في الأمر ان العمر الافتراضي للخرسانة الأسمنتية المسلحة اليوم يصل إلى 80 عاما فقط على الأطول، بينما هذه الخرسانة التي نتحدث عنها تقترب من عمر 3 آلاف عام إذا افترضنا جدلا أنها من إنشاء الملكة بلقيس أو عهدها ولم تكن لعهود سابقة أو لاحقة، وهذا يدعم ما قاله الصديق عبدالسلام الشعيبي، وهو بالمناسبة مقال كان يرد به على كتاب مصريين يدعون فيه أن بلقيس كانت عندهم وليس في اليمن، وتلك قصة أخرى سأفرد لها بحثا خاصا في مكانه قريبا إن شاء الله.
(الصورة أدناه من عرش بلقيس للحجارة الخرسانية المعنية في المقال).
وهنا ينبعث سؤال آخر: ماهي المادة التي خلطت بتلك الخرسانة حتى تكون هذه الصلابة التي امتدت 3 آلاف عام؟!
إن الإنسان اليمني الذي ابتكر التحنيط هو الذي ابتكر الكثير من الأشياء ومنها هذه الخلطة العجيبة وصناعة المدرجات الجبلية التي عدها بعض المؤرخين والآثاريين أعظم حضارة من الأهرامات المصرية لأنها قهرت الطبيعة وأحالت الجبال الصماء إلى حدائق معلقة.
اعمدة عرش بلقيس ربما كانت هي ما كشف عنه فقط من حضارة مطمورة اشتهرت بها اليمن عبر حضارات مختلفة ومنها حضارة عاد إرم التي أشار القرآن الكريم إلى بعضها بقوله: (إرم ذات العماد)، والتي قد يكشف عنها في عصور لاحقة، فعمدان هذا المعلم على ارتفاعها وطولها لم يكن معروفا منها سوى الجزء الاعلى واليسير فقط حتى تم الكشف عنها مؤخرا، وهي الاحدث عمرا مقارنة بعاد إرم التي يقدر عمرها بأكثر من 10 آلاف عام.
------------
مقال خاص بالحرف28


Create Account



Log In Your Account