الحلفاء الأعداء ... الحرب الممنوعة من الحسم!
السبت 28 مارس ,2020 الساعة: 09:00 مساءً

في فبراير 2016 كانت طلائع القوات الحكومية والمقاومة الشعبية تطرق أبواب صنعاء من جهة فرضة نهم شمالي شرق العاصمة.

لقد سقط أحد أكثر المعسكرات تحصينا بالعتاد والجغرافيا، لمليشيا الحوثي، صالح، وشعر الحلف الإنقلابي وقتها أن خطر سقوط صنعاء بات وشيكا فتبادل الطرفان الإتهامات عبر وسائل الإعلام.

مع تسارع وتيرة الإنهيارات في صفوف الإنقلابيين، ارتفع حماس الكثيرين حد الزعم بأن"الإحتفاء" بمرور عام على "عاصفة الحزم" سيكون في صنعاء بعد شهر!

كان زخم الحرب يأخذ منحى تصاعديا وجميع الجبهات مشتعلة على نحو متزامن، وقد انتقلت الحرب من الجغرافيا السهلة والمنبسطة في المدن الساحلية والصحراوية إلى واحدة من أكثر التضاريس قسوة على وجه الأرض.

في الجهة الجنوبية الغربية من البلاد، نهاية ديسمبر 2015 كانت القوات القادمة من لحج قد تجاوزت خط الحدود الشطرية السابقة بين الشمال والجنوب.

أستطاعت تلك القوات الوصول الى الراهدة أولى مديريات محافظة تعز في وقت قياسي مستغلة حالة الإنهيار وانسحاب مليشيا الحوثي صالح المفاجئ من الجنوب.

من جانب آخر، في مركز المحافظة الأكثر اشتعالا بالمعارك الدامية وقتها، كانت قوات المقاومة الشعبية والجيش الوطني يخوضان واحدة من أعقد وأصعب المعارك التي يمكن أن تشهدها حرب في العالم : مدينة محاصرة من اتجاهات الريح الأربع، تقاتل في مساحة 10 في المئة لتحرير 90 في المئة المتبقية حيث تسيطر عليها قوات عسكرية صخمة ومليشيا تتجاوز 13 لواء عسكريا مدججا بمختلف أنواع الأسلحة.

أخيرا، تمكنت المقاومة الشعبية من تسجيل معجزة : فتح الحصار عن المدينة من الجهة الغربية الجنوبية، لكن الخط الذي فتح وقتها ظل خاليا من أي حركة امدادات للمدينة المحاصرة سواء بالسلاح أو الغذاء.

بحسب قادة عسكريين اقتصر الأمر على إرسال التحالف أفراد مليشيات متطرفة من الجنوب ستلعب لاحقا دورا لضرب المدينة من الداخل!

كان الناس ينتظرون أن تأخذ الحرب وتيرة أكبر لتخليص البلاد من الإنقلاب والحرب، وإنهاء الكابوس الدامي الذي عصف بحياة 30 مليون يمني وحول خارطة البلاد الى مقبرة وسرداق عزاء كبير.

لكن وقائع الحرب في الميدان كما تأكد لاحقا، أخذت منحى مقلقا للتحالف نفسه، تجاوزت السيناريو المرسوم والحدود المفترضة للإستنزاف والمواجهة وتقسيم المصالح، وكان يتوجب فرملتها بطريقة أكثر إثارة.

يوجه أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي نقدا لحزب الإصلاح "لأنه لا يقاتل كما يجب" كأول إشهار لشماعة الإصلاح أثناء الحرب!

كانوا قد فعلوا ذلك عندما دعموا انقلاب الحوثيين صالح في 21 سبتمبر 2014 ، ولم يكن متوقعا معاودة استخدام ذات الشماعة وهم يزعمون أنهم يواجهون إيران!

كان قد سبق هذه التصريحات انسحاب القوات من الراهدة التي تركت كل مكاسبها ببساطة وأعادت تموضعها لتبدأ بذلك المعزوفة العسكرية عن الحدود بين الشمال والجنوب!

كان ذلك العام الأول والوحيد هي كل الحرب، لتبدأ لعبة حروب التحالف القذرة، حيث يجب أن تظل الخارطة منهكة وبلا منتصر، مقابل إخلاص إيراني خلف حليفه رغبة في كسب المعركة والوصول الى باب المندب.

لاحقا، أطلق التحالف بواسطة الإمارات حملة رهيبة لتصفية رموز المقاومة التي تشكلت في عديد مناطق في الجنوب وتعز : تم تصفية القيادات التي قاتلت تحت علم الجمهورية اليمنية ورفضت الخضوع لأجندة الإمارات في عدن وما جاورها وطردت آخرين ، وتابعت الاغتيال المعنوي لقيادات أخرى في الشمال وتعز على وجه الخصوص وبناء تشكيلات لاتخضع للشرعية وتتبع مباشرة ابوظبي.

كان ذلك يفصح عمليا عن رأس جبل الجليد الذي بدأ يظهر رويدا رويدا من خلال الحرب، يعري مخطط إسقاط اليمن في دوامة ودوائر حروب متداخلة لعينة وقذرة، سترتد وبالا على الرياض تحديدا اليوم أو غدا.

شاهدنا لاحقا فصول سياسة الإستنزاف وتقسيط الحرب بالجبهة مع سياسة ممنهجة عبر تقنية "الغارات الخاطئة" لاستهداف الجيش والقوة التي شكلتها الحرب في الجبهات من شباب ثورة فبراير.

بالتوازي شرع الحليفان في اقتسام الغنائم معا في حروب السواحل والممرات بعيدا عن الهدف المعلن المخادع الذي يشرعن وجود هذه القوات في الأرض والسماء اليمنية.

مقابل ذلك سيمنح الحوثي حرية إختيار الزمان والمكان للمعارك على طول خطوط المواجهة وسيجد نفسه بعد قرابة خمس سنوات طرفا يحقق انتصارات ويستعيد محافظات كاملة بالتزامن مع الذكرى الخامسة لانطلاق "عاصفة الحزم".

هل كان ثمة مشكلة في الشرعية اليمنية حتى يغدو التحالف هو كل شيئ في البلاد؟

الثابت أن هذه الشرعية لو امتلكت حسا أخلاقيا ووطنيا بالحد الأدنى، لماحدث الإنقلاب أصلا، واذا كانت تعرضت مكرهة على وقع مؤامرة اقليمية كبيرة وقتها لإنقلاب، لما ذهبت لتسليم نفسها لذات القوى مرة أخرى دون أن تحترس على الأقل لكل هذا الغدر المنفلت وغير المكترث بأحد.

لقد نخر التحالف في أساسات القوى اليمنية والتيارات والأحزاب والجماعات، ووظف كل امكانياته للاستقطاب والتجنيد حتى صارت القيادات تعمل في وظيفة رفع التقارير ونقل المعلومات عن بعضها.

من جانب آخر  تحول قادة الشرعية والجيش الى مجال للإستقطاب للعمل لمصلحة  أطراف التحالف بفضل الباب المخلوع الذي انتهجته الشرعية، وتولى قادة آخرون ممارسة الفساد بأشكاله المختلفة.

طيلة تلك الفترة أمسك التحالف بكل الملفات بينما ظل الرئيس النائم وطاقم شرعيته ومكوناتها ينتظرون فراغ التحالف من" التشطيبات" لاستلام " الدولة الإتحادية" بينما تفرغوا هم لتشطيب أشياء أخرى!

لقد كانت مجموعة حروب صغيرة داخل حرب كبيرة، ثبت بالوقائع أن هدفها الكبير تمزيق اليمن واقتطاع وتوزيع أجزائه كغنائم بمشاركة الحوثيين وصالح، رأس حربة المؤامرة التي أسقطت البلاد بالضربة القاضية.


محمد بن سلمان : إطالة أمد الحرب يمثل مصلحة للسعودية !


كانت مؤشرات المؤامرة الخليجية واضحة منذ الهرولة الممولة للحوثي وصالح لاسقاط البلاد بالإنقلاب ولاحقا بالحرب.

لكنه كان يتعين علينا أن ننتظر حتى مطلع مايو 2017 لتقول لنا السعودية على نحو صريح ماذا تريد..

في مقابلة مع التلفزيون السعودي، تحدث ولي العهد محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للرياض، عن سر ذلك الإيقاع المضطرب والمشتت للحرب وسبب طول أمدها بل ودوافعها أيضا!

قال بن سلمان إنه يستطيع "إجتثاث قوات صالح والحوثيين خلال أيام" لكنه يخشى سقوط آلاف القتلى والمزيد من الخراب كما زعم.

لقد سقط منذ ذلك التاريخ عشرات الآلاف من القتلى والجرحى وتعرضت مدن ومناطق شاسعة من جغرافيا الحرب للتدمير دون أي حسم للمعركة بينما كان الحوثي يكتسب بفضل سياسة التحالف ونوم الشرعية المزيد من القوة .

الأسوأ أن كل ما كان ينظر إليها مكاسب للشرعية تولى التحالف ضربها لاحقا حد تدبير إنقلاب ثاني في عدن وسلسلة مشاريع انقلابات أخرى جرت وتجري في محافظات أخرى بأموال وأذرع التحالف.

لقد ثبت أن إطالة أمد الحرب عمل مقصود من التحالف نفسه. هذه الحقيقة لم يقلها أحد من أعداء التحالف، بل قائده !

قال محمد بن سلمان في نفس المقابلة إن إطالة أمد الحرب يمثل مصلحة له، فهو يمتلك الموارد والإمدادات على عكس الحوثيين !

هل كانت الحرب أداة لتحقيق أهداف سياسية داخلية وخارجية سعودية، بغض النظر عن مآلات النهايات ونتائجها الوخيمة على السعودية نفسها؟

تفصح الوقائع عن أهداف مزدوجة داخلية وخارجية لولي العهد السعودي من الحرب في اليمن.

عندما كان يتحدث كان قد فرغ من إزاحة ولي العهد إبن عمه محمد بن نائف، العقبة الأولى في طريق حلمه الملكي، ثم تلاحقت الوقائع بما عرف بمسلخ الريتز الشهير، الذي تحول الى سجن جماعي لكبار العائلة المالكة، وكبار بارونات المال.

كانت تلك الطلقات الأولى التي سكنت قلب النواة الصلبة لنظام الحكم السعودي الذي يعيش تداعياتها حتى اليوم ولعل الأسوأ لم يأت بعد.

أما الهدف الأكبر في اليمن، فهو إضعاف وتمزيق جغرافيا الدولة المفترضة في الخاصرة الجنوبية للمملكة والإستواء على سمائها واقتطاع الأجزاء الحيوية منها مع شريكه في حرب التدمير محمد بن زايد.

 

رأس الشيطان .. وحروب الخط الأحمر

لقد لعب بن زايد المعروف ب" عراب" ولي العهد السعودي، الدور الرئيسي في حرب التدمير لليمن (لاحقا ستطال السعودية بشكل مباشر) وأدار بحيوية و"كفاءة" مخطط سفك الدماء في اليمن وتمزيقها حتى اللحظة.

إنه موجود على رأس أبوظبي ليقدم الخدمات لأسياده في لندن والبيت الابيض وتل أبيب، كمتعهد خراب يقف على رأس ثروة سائلة تزيد على تريليون و300 مليار دولار لشعب مغلوب على أمره، ليس من حقه أن يعترض حتى في غرفة نومه ( الأرجح أنه سيأتي الدور عليه لاحقا ليدفعها الى خزائن ترامب هربا من ملاحقات ملفات دعم الإرهاب والحروب القذرة التي شجعوه على إشعالها وتمويلها).

المؤكد أن إنقلاب الحوثيين صالح دعمته ومولته الإمارات بالتفاهم مع إيران بموافقة الرياض!

كان الهدف الملح ضرب حزب الإصلاح بالحوثيين وإشعال حرب طاحنة للإجهاز على المكتسبات الطفيفة لثورة 11 فبراير وإعادة عائلة صالح للحكم.

كما كان الهدف المهم أيضا الحصول على وضع يسمح للرياض وأبوظبي بممارسة الهيمنة على اليمن والحصول على قسمتهما من كعكة الموانئ والجزر والممرات المائية وأحواض النفط الغنية وخطوط أنابيب نقل النفط المخنوق أيضا، هربا من عصا إيران في مضيق هرمز.

قبل ذلك كانا يقومان بتأدية أدوار متفق عليها مع قوى كبرى، عرفت باستخدام الحلفاء السيئين للأعمال القذرة التي تقع تحت طائلة مساءلة مؤسساتها الشعبية.

كان الإنقلاب متفق عليه إذن، لكن نقطة الخطأ التي ارتكبها الحوثيون وصالح هي الاتجاه جنوبا صوب عدن.

كان اندفاع الإنقلاب الطائفي باتجاه عدن خطا أحمر بالنسبة لبن سلمان والسعودية وليس الإنقلاب بحد ذاته!

وبرغم أن القوات التي تولت إسقاط المحافظات الجنوبية لم تأت من خارجها، وكانت جميعها قوات موالية لصالح وتنتمي بأعدادها الساحقة لشمال الشمال، لكن الرياض اعتبرت ذلك تجاوزا للخط الأحمر.

يؤكد بن سلمان في نفس المقابلة أن الرياض كانت تفتح خط نقاش مع الإنقلابيين بشرط عدم الإقتراب من عدن!

قبل ذلك بعام كان عبدالرحمن الراشد، الكاتب السعودي المقرب من الديوان الملكي السعودي أكثر وضوحا في الأطروحة :لو كان الحوثي وصالح توقفا في حدود الشمال، لكانوا ( السعودية) تعاملوا معه كدولة شمالية مقابل دولة في الجنوب! هذا ما كتبه حينها في أحد مقالاته بالشرق الأوسط.

ما كان مقلقا للرياض فحسب، كابوس سقوط اليمن برمتها" شمالا وجنوبا" في السلة الإيرانية!

لقد كانت السعودية واضحة للغاية في الهدف من الحرب مع مرونة في التعامل مع جميع الأطراف وبيع الوهم للجميع، أما الإماراتيون فقد أشهروا أنفسهم كأعداء واضحين للدولة اليمنية ومخزن مؤامرات لا ينضب.

 

توزيع الغنائم واستهداف الجيش اليمني

سيطر الحليفان بنسب متفاوتة على جميع الموانئ والمطارات ومناطق انتاج النفط والغاز ومنعا الحكومة اليمنية من ممارسة سلطاتها السيادية.

مارسا أشكالا مختلفة من الصد ورفض استئناف الحكومة الشرعية وظيفتها في تعبئة وحشد الموارد للحرب وحرموها من استيراد الأسلحة لبلد يخوض حربا اقليمية كبيرة تديرها إيران بأطماعها الامبراطورية وأدواتها الطائفية الإرهابية.

تقاسم الإماراتيون والسعوديون مخطط تشكيل المليشيا في الجنوب كما الشمال، وتولى الحليفان ضرب الجيش الذي تشكل من تيارات ثورة فبراير، العدو الأكبر للتحالف، وقصفه بواسطة تقنية "الغارات الخاطئة" من أول لحظات الحرب، لتتحول إلى طريقة واضحة للاستهداف.

إن إطالة أمد الحرب كان هدفا بحد ذاته لإنضاج العديد من السيناريوهات على الأرجح. كانت عمليات الجيش مكشوفة مسبقا للحوثيين، وحتى الغارات التي كانت تستهدف تجمعات المليشيات فقد كانت تستعد لها مسبقا.

في الجوف مثلا : عندما كان الجيش يشن هجوما على الحوثيين بالتنسيق مع التحالف في السنوات الأولى للحرب، كان الحوثيون يبدون في حالة إستعداد وجهوزية ويمنى الجيش بخسائر.

ينقل مصدر ميداني عن قائد عسكري القول: في إحدى المرات أعددت هجوما جانبيا دون إشعار التحالف فحققنا نصرا كبيرا، لكن قادة التحالف اعتبروها " خيانة " وضغطوا لعزل القائد!

لقد كانت صنعاء تقع في مدى النواظير العسكرية للجيش ومدفعية جهنم السعودي طيلة أكثر من 3 سنوات، لكن اقتحام صنعاء ظل خطا أحمر.

ولقد سادت لفترة تلك المقولة التي أطلقها كتاب سعوديون عقب السيطرة على فرضة نهم، " الحرب حققت أهدافها وليست وظيفتنا ايصال حزب الإصلاح لاستلام السلطة في صنعاء ".

لقد تناوب السعوديون والإماراتيون على ضرب الجيش الذي تشكل في الجبهات وحروب الجغرافيا القاسية، بكل الوسائل الحربية التي بأيديهم.

كشف رئيس العمليات بوزارة الدفاع اليمنية اللواء ناصر الذيباني في لقاء مع قناة يمن شباب أن "طيران الإمارات قتل ضباطا في صرواح بعيدا عن خط القتال بعشرين كيلو" وقال إن "مدفعية الإمارات دمرت كتيبة كاملة في صرواح".

ولقد بدأت في الأشهر الأخيرة رحلة الإياب من الحرب : ضرب الجيش وتفكيكه.

قال الذيباني إن "الإمارات بدأت بتجميد نشاط المنطقة العسكرية الثالثة في عهد القائد السابق وبدأت بتفكيك المنطقة بكسب ولاءات أفراد وقيادات بعيدا عن القيادة"

أضاف قائد العمليات العسكرية بوزارة الدفاع اليمنية: الإمارات جمدت العمل العسكري في جبهات صرواح ورفعوا أيديهم عن الجبهة في توقيت واحد مع هجومهم على عتق.

كان يتحدث على وقع المذبحة التي ارتكبها طيران الإمارات وهي توفر الغطاء الجوي للإنقلاب الثاني في عدن.

وقبل عامين تقريبا قال قائد سعودي لأحد القادة العسكريين اليمنيين : سنجعل من نهم جحيما لحزب الإصلاح والحوثيين.

وعندما كانت جحافل الحوثي تستميت للعودة الى الشريط الحدودي بين محافظة الضالع وإب قبل عام كانت أوامر القيادة العسكرية السعودية لقيادات الجيش اليمني المذعنة صارمة لاتقبل الجدال : لا عمليات عسكرية في أي جبهة باستثناء حدها الجنوبي.

في المقابل تولت حليفتها المتحكمة بالجنوب قطع الإمدادات عن الجيش في جبهات العود ومريس وقعطبة.

هذه السياسات التي ظلت تمرر من تحت الطاولة بإذعان وخضوع كامل من قيادات الشرعية بكل مكوناتها، وبترحيب وتلهف من بعضها، انتقلت الى مرحلة العلانية بانقلاب أغسطس الماضي في عدن.

لقد أسفر التحالف عن أحد وجوهه القبيحة على نحو صريح في الضربة الشهيرة التي وجهتها الإمارات للجيش اليمني في 28 اغسطس الماضي وقتلت وجرحت أكثر من 300 ضابط وجندي على مشارف العاصمة المؤقتة عدن.

كانت توفر غطاء جويا للإنقلاب في عدن، مثلما ظلت تفعل ذلك تحت مبرر " الضربات الخاطئة " وتوفير غطاء للانقلاب في صنعاء على مدى السنوات الخمس.

 

إنقلاب عدن واتفاق .. حل الجيش الوطني

طيلة فترة التحضير لانقلاب عدن ومابعده ابتلعت الرياض لسانها وظلت تحاول لعب دور الوسيط، وكانت تستخدم كل ذلك لإكمال ماعرف قبل الإنقلاب بخطة إعادة" هيكلة الشرعية ". إنها الإسم الناعم لتصفية الشرعية وقد سعت الامارات بواسطة أذرعها لاسقاط المحافظات الحنوبية تباعا وصولا الى مأرب، قبل أن تتحرك الرياض لترسيم حدود النفوذ بين الحليفين.

تحدث اللواء ناصر الذيباني عن خطة حاكتها القوات الإماراتية رسميا ضد الرئاسة لإسقاط شبوة والمنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت.

كما تحدث عن تفاصيل خطتها التي "عززتها بثلاثمائة مدرعة وستمائة طقم قتالي لتدمير المنطقتين الثالثة والأولى".

لكن الخطة نجحت على كل حال في تحقيق أجزاء مهمة منها.

عمليا تم تصفية الوجود الضعيف للسلطة الشرعية في العاصمة المؤقتة ومحيطها ، بعد سنوات من الإضعاف الممنهج، وتقوية تشكيلات مناطقية وجهوية بمسمى المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات.

بينما ظل جيش الشرعية حبيس مساعدات محدودة تمكنه من خوض حرب استنزاف مع ضرب أي تقدم له في الجبهات، انتظرت الامارات حليفها في انقلاب صنعاء طارق عفاش، لينشق وذهبت لتسليحه بعتاد دولة، وسلمته كل مكاسب المقاومة الشعبية والجيش بالإضافة الى المقاومة التهامية والجنوبية في سواحل تعز والساحل الغربي.

مثلما حظيت هذه القوات التي لاتخضع لوزارة الدفاع اليمنية، بالرعاية الإماراتية القصوى، ستحظى بأهمية بالغة وستكون أيضا محور خطة سعودية سيتحدث عنها لاحقا ضابط سعودي شهير.

لقد انتهى الإنقلاب باتفاق الرياض الذي رعته السعودية و تم توقيعه في 5 نوفمبر الماضي.

بموجب الإتفاق حصلت السعودية ومن خلفها الإمارات على مايشبه التفويض بممارسة وصايتها على البلد، والقت في الطريق ببعض الطعم للشرعية، ومارست الرياض ضغوطا هائلة على الرئيس وسلطته للقبول به.

تتمحور البنود الرئيسية للاتفاق حول دمج القوات العسكرية والتشكيلات الأخرى في الجنوب حصرا، تحت وزارتي الدفاع والداخلية، وترتيبات أخرى تمنح الانتقالي شراكة ندية للسلطة الشرعية.

يشبه مراقبون اتفاق الرياض، باتفاق السلم والشراكة الذي وقعته الأطراف اليمنية برعاية أممية ومشاركة سفراء الدول الخليجية غداة انقلاب 21 سبتمبر مع الحوثيين في صنعاء تحت القوة المسلحة.

وكان المقدمة التي ضمنت سيطرة مطلقة للحوثيين على كل تفاصيل البلاد.

من المفترض أن يكون قد مضى وقتا  على تنفيذ بنود الإتفاق بعد جدولة خطواته على فترات متفاوتة أقصاها 3 أشهر.

نحن الآن في الشهر الخامس بعد توقيع الاتفاق. لم يتم تنفيذ أي من بنوده حتى اللحظة وتم التلاعب ببعضها برعاية سعودية كاملة.

تحتفظ السعودية بتفسير خاص للاتفاق يؤكد أن الإنقلاب كان عملا مدبرا ومنسقا بين الحليفتين، وكان إيذانا بإطلاق مرحلة جديدة تغدو فيه الشرعية اليمنية وبعض مكوناتها هي هدف الحرب الأخيرة الصريح في عامها الخامس.

في ديسمبر الماضي، أي بعد شهر واحد من الاتفاق، قال الضابط السعودي العميد حسن الشهري إن اتفاق الرياض يوجب "حل الجيش الوطني اليمني من وزير الدفاع الى أصغر جندي" وكأننا أمام لعبة بلاستيشن مسلية يديرها بن زايد وحليفه.

جاء حديث الضابط السعودي بعد لقاء جمع طارق صالح في الرياض بنائب وزير الدفاع خالد بن سلمان.

يقول الشهري في حديثه بندوة نظمتها جمعية سعودية للعلوم السياسية بالرياض ووثقتها وسائل اهلام بمقاطع فيديو إن استعادة" تعز وصنعاء وحجة ستكون مهمة إخواننا في الهضبة الزيدية".

ذلك يكشف بجلاء كيف حرصت ابوظبي والرياض على إبقاء المحافظة اليمنية الاستراتيجية، تعز ، مركز ثورة فبراير 2011، رهنا لحصار مزدوج : السيطرة على ميناء المخا والسواحل مع تمكين الحوثيين من البقاء على تخوم المدنية والشريط الريفي الغربي المؤدي الى الرئة التي تتنفس منها المحافظة عبر التاريخ.

 

لعبة المتاهة و العودة الى نقطة الصفر

في مقابلة مع قناة روسيا اليوم، قبل 3 أعوام، كشف ضابط الإستخبارات السعودي اللواء أنور عشقي عن دور إماراتي في انقلاب الحوثيين صالح حيث "دفعت دولة خليجية  للحوثيين أموالا طائلة لاسقاط حزب الإصلاح" في إشارة للإمارات.

كما كشف الضابط أيضا عن اتصالات جرت بين السعودية وعبدالملك الحوثي عندما سعت الرياض لأخذ التزام من زعيم المليشيا بالإبتعاد عن إيران، ونكث بذلك لاحقا.

لعل ذلك ما دفع السعودية وشريكتها الكبرى لشن حرب العاصفة تحت شعار استعادة الشرعية وإنهاء الإنقلاب، فهل كان ذلك غطاء لمآرب أخرى بعد دفع البلاد نحو الإقتتال؟

خلال خمس سنوات من الحرب مارست السعودية وحليفتها سياسات متناقضة، وخاضتا تحت عنوان الحرب الكبير حروبا أخرى طالت الشرعية نفسها.

منعتا الرئيس من العودة الى عاصمته المؤقتة والحكومة الشرعية من السيطرة على مواردها، واضعفتا الجيش، في حين قدمتا مختلف اشكال الدعم السخي لمليشيات وتيارات متطرفة ، وهو ما أثبتته تقارير لوكالات ووسائل اعلام غربية على رأسها الاسوشيتد برس والإندبندنت البريطانية.

قبل " عاصفة الحزم" ، كان هناك انقلاب واحد في صنعاء ومليشيا واحدة استطاعت الحصول على دعم الطرفين : الامارات والإيرانيين بتواطؤ سعودي.

اليوم تعيش البلد آثار انقلاب آخر في عدن، وعشرات المليشيات في الشمال والجنوب، ودمار واسع للبنية التحتية الضعيفة أصلا.

يعاني اليمنيون من أكبر أزمة انسانية تشهدها دولة في عالمنا، بينما يسعى طرفي التحالف في الفصل الأخير من الحرب العبثية السعودية الإماراتية الى إنهاء الشرعية وإعادة تأهيل نظام صالح القديم في الشمال، ووضع يدهما على الجنوب.

لا أحد سعيد لهذه المآلات الكارثية أكثر من الحوثيين وإيران والإمارات، أما السعودية فستدفع ثمن إرتدادات هذه السياسة حصرا، حيث يمتد مشروع التمزيق ليطالها أيضا وستكون التالي.

تقول التجربة الطازجة والتاريخ القريب، إن وجود يمن ضعيف وممزق، ربما يكون مفيدا للسعودية مرحليا، لكنه ينتهي حتما الى كارثة تهدد السعودية برمتها.

ستظل السعودية تواجه مأزق تهديدات أمنها القومي جراء سياستها المتخبطة في الشأن اليمني . الرياض، وليس ابوظبي، هي من ستدفع الكلفة المباشرة.

ذلك ما يبدو أنه هدف ابوظبي الذي قاتلت من أجل تحقيقه قبل وأثناء الحرب، وهي عاكفة على تجريع حليفتها كأس السم، بعد استحواذها على مفاتيح القرار السعودي في زمن محمد بن سلمان.

لكن السعودية والإمارات وإيران والحوثيين ليسوا قدر الله إذا قرر اليمنيون الإستيقاظ ومغادرة مربع الإرتهان.


Create Account



Log In Your Account