غريفيت .. والحصافة الضائعة
الثلاثاء 10 أبريل ,2018 الساعة: 07:40 مساءً

لم يكن المبعوث الأممي الجديد الى اليمن مارتن غريفيث حصيفا في جولته الأولى،  بالقدر الذي كان مؤملا منه من قبل المتشيعين له في مهمته،  فقد بدأ رحلة مهمته محشورا  في جلباب أضيق من حدود ومرامي الأمم المتحدة الباحثة عن حل شامل كامل، حيث وجريفيت قد بدا وكأنه منساقا أكثر مما ينبغي ومطية بيد قوى اقليمية تحركه وتطلب منه عمل كذا ومقابلة فلان والإبتعاد عن هذا وعدم الإستماع لذاك بغض النظر عن فحوى ومضمون ومدى إقناع هذا الطرف أو ذاك.

فقد تبين من الوهلة الأولى لإعلان زيارته الى اليمن أن هناك أمر  قد دبر  بليل، وسبق وأن نبهنا أن الإتكاء على هذه الزيارة وإعتبارها معيارا للقياس وتأسيس الأمنيات والأحلام هو أمر مفروغ منه .

فقد  بدأ برنامج زيارة المبعوث الأممي الى صنعاء اللقاء بمن تم تسميته بمكون  الحراك الجنوبي في صنعاء، والكل _ قاصيا ودانيا _ يعلم ويدرك يقينا أنه لا يوجد هناك تيار أو مكون للحراك الجنوبي في صنعاء، و المتواجدين هناك، هم الا عبارة عن شخوص طالبين الله على بطونهم  ودفعتهم الأقدار في لحظة فاصلة زمانيا ومكانيا بالتواجد هناك، والتقى بهم غريفيت وخصص لهم من برنامج زيارته متسعا، فيما حجب هذا المتسع قبلا عن قوى ومكونات أساسية في الحراك الجنوبي متواجدة في الرياض عند زيارته لها ولقاءاته مع الرئيس هادي وبقية أركان أطراف الشرعية.

وحتى عندما برر غريفيت تأجيل / إلغاء زيارته الى عدن وحضرموت لأسباب أمنية، لم تكن سوى عذر أقبح من ذنب، وإن لم تكن حكاية إلغاء الزيارة جاءت بايعاز من التحالف أو أطراف فيه، فإن هذا الإلغاء قد صب في مصلحتها، مع أنه كان ينبغي أن يعمل التحالف قبل وأكثر من الشرعية على إصدار رد تطمين على تصريح غريفيت يتم التأكيد من خلاله على تأمين الزيارة في عدن وحضرموت، من حيث أن التحالف باسط سيطرته على الأرض في تلك المناطق وكذلك فإن تحركات المبعوث الأممي ستكون محصورة ما بين المطار ومعاشيق ولن تكون خلالها تنقلات برية، ومع أن زيارته الى أبوظبي لم تكن ضمن جولته ولم يعلن عنها مسبقا، لكنها أعطت تأكيدا آخر في إنعدام الحصافة عند المبعوث الأممي وتلقي مزيدا من الشك حول ارتهانه، حيث وهو يدرك أن دخول دولة الامارات ليس سهلا لأي شخص مهما كان وأن ذلك يتطلب فيزا وأذن دخول من قبل السلطات الإماراتية _ ومثلها مسقط_ وبالتالي حرمت كثير من مكونات وفصائل أساسية في الحراك من اللقاء بغريفيت والجلوس معه لطرح وجهة نظرها ورؤيتها في الحل الذي قد يكون صائبا أو نافعا وأحسن من غيره.

ومع أن غريفيت من منطلق مهمته وواجبه الأممي إن كان فعلا  يسعى لتجاوز العثرات والإخفاق الذي وقع فيه سلفيه ( بن عمر وولد الشيخ ) وحتى يقف على قدر كاف وضاف وموضوعي عن جذور وبذور الأزمة اليمنية ودهاليزها وتعقيداتها وأوجه حلها، كان ينبغي عليه اللقاء بكافة الأطراف مهما صغر شأنها والإستماع لها فلا أحد يحتقر كيد الضعيف.

ودعوني أعرج على مضمون ومرامي لقاء قيادة المجلس الآنتقالي الجنوبي بالمبعوث الأممي في ابوظبي الذي هيأت له دون غيره من المكونات الحراكية الأخرى، والتي عدها البعض من قيادات ومناصري الإنتقالي بأنها انتصارا أستطاع المجلس أن يحققه، وفي الحقيقة فإن الأمر عكس ذلك تماما إذا ما نظرنا إليه من زوايا أخرى غير زوايا المماحكات مع المكونات الأخرى، ودعونا من الظروف والعوامل التي ساعدت الانتقالي على لقاء غريفيت،  إذ ينبغي على قيادته ومناصروه التأني والتفكير جيدا فيما يذهبون إليه ويعملوا على تسويقه للناس،فلقاءهم بالمبعوث الأممي لم يكن إنتصارا بقدر ما هي مسؤولية ومسؤولية غاية في الأهمية والجسامة _ اذا ما نظرنا اليها بموضوعية _ لكن يبدو أن المجلس وأتباعه لم يفطنوا لماهيتها ويدركوا حجم عواقبها لاحقا _ كعادته في كثير من الشواهد آخرها أحداث 28 يناير بعدن _ لو أن الإنتقالي يريدأن يلعبها صح، كان عليه أولا الإصرار على إشراك آخرين من مكونات حراكية أخرى في لقاء غريفيت لتحمل مسؤلية أي تداعيات سلبية أو فشل لاحقا فيما يصير اليه موقف المبعوث الأممي من القضية الجنوبية لأنه في حال حصل ذلك فإن المجلس يتحمل وزر ذلك باعتباره لم يستطع إيصال مضمون القضية الجنوبية وإقناع غريفيت بعدالتها ومشروعيتها، كذلك فإن مسألة الإدعاء بالإستحواذ على تمثيل الجنوب أمر مفروغ منه، لكن يبدو أن الانتقالي يعتقد أن النجاح مضمون مئة بالألف ولذلك أرتأى الإنفراد باللقاء _ ربما بكيفه وقراره أو إيعازا من آخر_  في مسعى منه للإنفراد بالكعكة لوحده دون أن تعي قيادته وتدرك أنها تسير في بحر متلاطم الأمواج قدرتهم فيه وحركتهم مرهونة بالكثير مما هو ليس بقرارهم وخارج أيديهم .


Create Account



Log In Your Account