المجلس الانتقالي والجنوب ... الإدارة والسلطة !
الإثنين 27 أبريل ,2020 الساعة: 04:56 مساءً

يستطيع المجلس الانتقالي أن يمسك بالسلطة بوسيلة واحدة ، و في أكثر من منطقة من مناطق الجنوب ، التي تلفها الفوضى  والتسيب والإهمال وغياب الإدارة والدولة منذ سنوات.
أما الوسيلة فهي في فرض القبضة الأمنية بواسطـة تشكيلاته العسكرية أو ما يسميها بـ" القوات المسلحة الجنوبية" ،التي عملت  دولة الإمارات على تكوينها وتقويتها خلال السنوات الأربع الماضية  لأغراض متعددة وفي مقدمتها إضعاف الأطراف المناوئة لها ، داخل مكونات الحكومة وحلفائها  ، وعلى وجه الخصوص حزب الاصلاح وحلفائه. 
أما المناطق التي سيسهل إنفاذ سلطة المجلس فيها ،عن طريق القوة والقبول معاً ، هي الضالع و يافع ولحج وبعض أبين ، والأهم في ذلك كله مدينة عدن المسالمة، التي تتعرض لتجريف خطير لهويتها الثقافية والاجتماعية ، من قبل كل أطراف التنازع.  
وسيكون الشك كبيرا في إنفاذ هذه السلطة  في شبوة والمهرة ، بسبب مستحكمات  سلطة خصوم المجلس فيها ، أما حضرموت فموَّالها مختلف تماما ، اذ ستتجنب التنازع ، لأسباب تتصل بخصوصيتها الجغرافية والثقافية، كونها اولاً واخيراً حضرموت ، التي يضعف ولاؤها للجنوب واليمن عموماً. 
يستطيع المجلس ان يمسك بالسلطة بشكل علني ، بعد ان ظل ممسكا بها  لقرابة عام بشكل موارب ، لكن ماذا عن إدارتها ،والقيام بواجباته، لا نقول كجهة قانونية  وإنما كسلطة أمر واقع ، تجاه السكان وإحتياجاتهم من الخدمات الضرورية ، وكيف سيتعامل مع العمال و صغار "الكسبة" ورجال الأعمال من غير الجنوبيين  ونشاطهم الاقتصادي،  بعيدا عن التنمُّر المناطقي والعنصري ، بعد ان صارت الاخيرة جزءً اصيلاً من أدوات إستقوائه ، وأحد تمظهرات الخطاب الشعبوي المنفلت الذي يغذِّيه بقصد او بدون قصد..؟
لم يغب ،بكل تأكيد، عن بال مهندسي قرار "الادارة الذاتية للجنوب"  مصحوباً بإعلان حالة طوارئ الذي اُعلن  مساء السبت 25 ابريل  الحالة الحوثية في السيطرة والادارة في مناطق الشمال ، وتحولها بمرور الوقت الى سلطة "امر واقع" ، فرضت على الجميع التعامل معها، بعيدا عن كونها حركة انقلابية ، وإنما باعتبارها طرفاً يتوجب التفاوض معه، بعد ان استطاعت الاستفادة من هشاشة خصومها وتضعضعهم ، والصمود امامهم لخمسة أعوام.
أمسك الحوثيون بالسلطة بوسائل ودوافع وادوات وتحالفات شتى، فقد اشتغلوا على الحاضنة المذهبية ببنيتها القبلية في معظم  مناطق الشمال من صعدة حتى تخوم الضالع ، ووظفوا تحالفهم "المرحلي" مع علي صالح بمنظومته الأمنية والعسكرية والادارية في فرض سلطتهم، وكان لوجود  الالوف من ابناء الاسر الهاشمية ، في مفاصل مهمة وحساسة ، في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية أثره الكبير في بقاء المؤسسات تعمل  بحدود معقولة من الكفاءة في خدمة مشروع السيطرة لديهم. وكان لطبيعة مركزة صناعة القرار والتحكم  في صنعاء، على حساب بقية المدن ومراكز المحافظات بما فيها عدن ، التي حولتها سلطات التأزيم الى منطقة منكوبة، تأثيره البالغ في تسريع فرض السلطة.
الحوثيون لم يتورطوا في انتاج خطاب عنصري "علني" طارد لكل ما هو جنوبي من شمالهم، بل على العكس شملوا الكثير من الاسماء برعاية من أجل المزاودة على الجميع  باسم الوطنية اليمنية  ، وأشركوا عديد منهم في بعض من واجهات سلطتهم ، وان بصورة كاريكاتورية.
وهناك سبب لا يقل أهمية عما سبق في فرضهم كسلطة وطرف ، وهو  ان الحوثيين جزءٌ فاعل ٌواداة من أدوات التنازع الاقليمي ، ويحظون برعاية أطراف فاعلة في تغذية الصراع في اليمن، في سياق الصراع الاقليمي ، الذي يلف المنطقة من ابعد نقطة واقصاها في أحجار جبال الاكراد  الصلبة  بين تركيا والعراق وايران شمالاً ، حتى انعم ذرة رملٍ في سواحل قلنسية في سقطرى  اليمنية جنوباً.
صحيح ان المجلس يرفع الآن  شعارات كتلك التي رفعها الحوثيون في بداية رحلتهم الانقلابية ،مثل محاربة الارهاب وأسقاط حكومة الفساد، ويستند المجلس في ذلك الى دعم مادي ولوجستي غير محدود من أحد طرفي التحالف" الامارات " ، وهو بالمناسبة ذات الطرف الذي دعم وبسخاء المسيرة الحوثية من دمَّاج  الى صنعاء ، من أجل القضاء على خصوم علي عبد الله صالح في  سلطة المرحلة الانتقالية " الإصلاح وبيت الأحمر" وحلفائهما.
السؤال الذي ييرز هنا كيف  سيتعامل المجلس الانتقالي مع الملفات الشائكة  الكثيرة والكبيرة في مناطق سيطرته ؟
مثلاً كيف  سيتجاوز التناقضات التاريخية في مناطق الجنوب، والتي عبَّرت عنها موجات عنف لم تزل  تفعل فعلها في عملية الانقسام الجنوبي حتى اليوم،  خصوصاً وان المنزع الذي يحكم المجلس ، في كثير من جوانبه ، قروي ، تنعدم  حواضنه الشعبية  في مجتمعات "مدينية " في عدن ومناطق الدلتا في لحج وابين، و يحاول إخضاعها بأدوات عنف شتى؟ ويغذي عند خصومه الجهويين مشغلات الثأر السياسي، التي لم تنطفئ نارها منذ اكثر من ثلاثة عقود.
 والاهم ماهي رؤيته لمعالجة ملف  الخدمات والموارد في مناطق الجنوب الفقيرة ، والتي  اظن ان العقلاء في المجلس يعلمون انها لن تُحل بالشعارات السائلة والغريزية  ،التي يبشِّر بها طلاَّب السلطة . وهي ، قبل كل شيء،  بحاجة الى أشراك الجنوبيين بانتماءاتهم الجغرافية المختلفة، وكذا كل الذائبين في الجسم الجنوبي من أبناء الشمال ، في أمور معالجتها، بواسطة  أدوات تلغي الفجوات المناطقية ،  ومن خلال إنتاج خطاب متسامح، والعمل على تعزيز مفردات هذا الخطاب داخل المجتمع، المشهود له اصلاً بهذه القيمة.  
طبعاً هذه المقاربة تبرز من منطلق ان خطوة المجلس هي الذهاب الى إنتاج وتكريس سلطة  تسيير ذاتي لمناطق نفوذه في بعض الجنوب ، وتحت مظلة كبرى  لشكل سياسي أعلى " الحكومة اليمنية"، وليس  بوصفها حالة انفصال تستدعى خطوات قانونية وسياسية وإعلان دستوري مثلاً.


Create Account



Log In Your Account