ديمقراطية الإصلاح بين اللوائح والممارسات
الأحد 13 سبتمبر ,2020 الساعة: 01:24 مساءً

تنحاز لوائح الإصلاح بصورة معقولة،  لقيم الحرية والكرامة والشورى، نتيجة اتكائها على الأدبيات الإسلامية التي تجعل من الحرية والكرامة والعدالة والوحدة قيماً مطلقة ومقاصد عامة، لكن الممارسة نسبية بالطبع، وما زالت هناك مسافة طويلة جدا بين ما هو كائن في الواقع وما يجب أن يكون في المثال، فالاستبداد مثل الوباء حينما يستقر في مجتمع يصيب الجميع، ويحدد الفرق بين إصابة كائن أو كيان وآخر، جهاز المناعة الفكرية ودرجة الوعي ومقدار احترام الذات.

وحتى لا نكون ممن يطلبون حرق المراحل بدون وعي بالواقع، ولا نبالغ في رسم صورة مثالية لما نريده ونأمله؛ فإننا نعي أن الإصلاح لم يأت من كوكب بعيد في سماء الكمال، إنما هو ابن هذه البيئة اليمنية المترعة بالتخلف وبكل فيها من مفردات احتكار الحقيقة والاستبداد والضيق بالآخر والميل إلى الشخصانية!

لكن الرؤية الموضوعية تفيد بأن الإصلاح يسير إلى الأمام أفضل من غيره، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، فهو الوحيد من بين الأحزاب اليمنية الذي وصل إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع وخرج منها بذات الطريقة رغم ما رافق الانتخابات من عبث وما شابها من تزييف، بجانب أنه سعى دوما للبحث عن صيغ للتعاون مع القوى الأخرى تحت مظلات القواسم الدينية والوطنية المشتركة، كما حدث في تجربة اللقاء المشترك.

 وبالطبع فإننا  نقول بأنه كان في الإمكان أحسن مما كان، ولا سيما في الجبهة الداخلية، حيث غلب على الانتخابات الداخلية شورى شكلية، ومن نافلة القول التذكير بأن ما حدث من انكسارات على مستوى الوطن لا يبرر توقف قطار الشورى داخل الحزب، فإن ازدياد التحديات يتطلب المزيد من المراقبة والمسائلة ويستوجب تجديد الدماء وتطوير الاستراتيحيات والوسائل.

 وفي هذا الإطار ينبغي الاعتبار بما حدث في وطننا العربي في الفترة الماضية، فقد ظلت الأنظمة العربية ترفض الديمقراطية طيلة عقود تحت شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، حيث جرى قمع الأصوات الحرة بقسوة وتأميم الأحزاب بدون تردد، ومصادرة الحقوق من دون استثناء، حتى أجدبت الحياة السياسية وصارت حكرا على زواحف الاستبداد وحشرات الفساد!

 وفي الطرف الآخر كانت (إسرائيل) تكرس الديمقراطية بوعي وثبات، حتى أنها أجرت انتخابات حقيقية بعد عامين من تأسيسيها ولم يحصل فيها مؤسس الكيان الصهيوني (دافيد بن جوريون) إلا على أقل من نصف أصوات الناخبين اليهود، رغم أن بعض مفكريهم وصفه بأنه موسى هذا العصر بل قال إنه أعظم منه لأن موسى مات أثناء التيه بينما أقام بن جوريون الدولة بعد نحو ألفي عام من سقوطها! 
والنتيجة كانت انتصار الديمقراطية الصهيونية على الديكتاتوريات العربية كافة بأشكالها الجمهورية والملكية!

 وفي هذا السياق ينبغي لمؤسسات الإصلاح أن تجري مراجعات عميقة لأفكار و أدبيات وممارسات الحزب؛ لإبراز نقاط القوة وتعزيزها، ولاكتشاف نقاط الضعف والحد منها والسعي لتجفيف منابعها، وذلك عبر ورش علمية منظمة وجادة، ويجب على مفكريه ومثقفيه وإعلامييه أن يمارسوا نقدا ذاتيا واسع النقاط؛ لمساعدة القيادة على اتخاذ القرارات الصحيحة ودفعهم لأن يكونوا دوماً في المكان الصحيح وفي الوقت المناسب.

 ولما كان الإصلاح يمثل العمود الفقري للتجربة الديمقراطية في اليمن؛ نظراً لما يملك من إمكانات بشرية ومادية ولما يحوز من تجارب وخبرات ثرية، ولما يحمل من قناعة عميقة بالشورى؛ فإن على أشياع الديمقراطية ورواد الحرية في بلادنا أن يشجعوه على التقدم نحو تجسيد الشورى الكاملة بخطى ثابتة، وأن يضغطوا بالتي هي أحسن وبكل ما هو مشروع، من أجل منعه من التوقف فضلا عن التراجع إلى الخلف!


Create Account



Log In Your Account