حتى إشعال آخر
السبت 08 أكتوبر ,2022 الساعة: 04:35 مساءً


الحديث عن الهدنة الأممية في اليمن حديث ذو شجون وتعرجات وتحركات وتفرّعات وخيانات وخيارات حرب وقرارات اللا سِلم واللا حرب وهدنة ولا هدنة، وتفاصيل أخرى يكتنفها غموض بالنسبة للرأي العام، وحتى للبعض من أطراف الصراع كالتي تتلقّى أوامرها وتوجيهاتها من خارج الجغرافيا اليمنية كدول التحالف العربي أو كإيران للطرف الآخر الواقع تحت ضغوطات وتأثيرات ورهانات وارتهانات أطراف وقوى خارج حدود اليمن، بالتالي فهو ككل خصومه منزوعي الصاعق والقرار والموقف وخيار تمديد الهدنة ناهيك عن خيار استمرار الحرب والتّوقّف ولو للحظة للحديث عن إمكانية السلام فالكل كما خطط الأرباب والمقاولون كمختطف ومهدد بإيقاف الدعم وفي أسوأ الأحوال التحييد عن العمل والتجريد من مسؤولية اتخاذ حتى أبسط القرارات وأسوأ منه التسريح والأسوأ من السابق التشريح بنشر الغسيل أو بالتصفية، والجميع على حد سواء واقع رغم أنفه تحت هذا المخطط والذي تديره وتنفذه أجهزة حرب استخباراتية دولية متوافقة، حتى هذه الهدنة المجرورة بخرقٍ محتلّ ومعتلّ الآخر.

 

جملة التراكمات الموثقة "أممياً" لملفات الهدنة في اليمن بين سريانها كإنجاز وخروقاتها كفشل ربما اصبحت مادة خصبة لتلميع السّير الذاتية لمسؤولين أمميين كالمبعوث الأممي والمبعوث الأمريكي أو البعثة العسكرية "أونمها" بذات الوقت تمنح فرصة استعادة أنفاس الطرف العبثي في خارطة الصراع من يتعمد اختراقها بل لا يعترف بها برغم قبوله بها وتوقيعه عليها أمام مرآى ومسمع من كل العالم إلا أن هذا هو اختياره وهو خياره الذي يتحدى به كل القيم والسلام ومعاهدات الأطراف وتعهدات مجتمع الدول الأمر الذي وضع الهدنة والطرف الأكثر تحمّساً لها في موقف أضعف وحتى الأكثر تحسساً منها في موضع صعب وربما بعد انتقال جزئية من تعقيداتها إلى مصالح إقليمية ودولية وطالتها التهديدات سواء التي في اليمن أو خارجها، ربما آخر التصريحات من مسقط لرئيس وفد التفاوض الحوثي بأوائل اكتوبر هذا العام إلا بعض جملة التهديدات الحوثية بهذا السياق، ومثلها تهديدات أخرى ربما تتبناها مجموعات إرهابية في مناطق جنوبية التي انطلقت للتعامل معها حملة "سهام الشرق" العسكرية في محافظة أبين أواخر أغسطس من العام الجاري 2022، وأخرى باسم "سهام الجنوب" في محافظة شبوة غيرها قد تنطلق هنا وهناك لذات الأمر التهديدي العائم والغائم حفاظاً على ماء الوجه المحلي لحماية المصالح الدولية داخل بلد متعاكس المسارات ومنتكس القرارات وعابس الخيارات متعدد بل متعثر القيادات ومحجوب الإرادات، مقيد الخطوات والغزوات وأسوأ منه منكوب إنسانياً حدّ النكبة.

أن يجلس المبعوث الأممي إلى اليمن "هانس غروند برغ

على طاولة تفاوض مع المسؤولين الإيرانيين في طهران أوائل اكتوبر الجاري للحديث عن تفاصيل تمديد الهدنة في اليمن، من قبله جلس المبعوثون ما يعني أن طهران طرف حيوي مؤثر بحرب اليمن وهي من تديرها وتغذيها وتمولها وهي الطرف المعرقل للهدنة وهذا انعكس موقفاً رافضاً جلِفاً متطرفاً بتعاطي الحوثي اللا مسؤول مع الهدنة كقضية إنسانية والتي تجاهلها بطريقة استفزازية عدائية سافزة بل تعاملوا معها بعجرفة لا تمنحهم الحق بمصادرة أي بادرة كفرصة للسلام لأجل ملايين الضحايا من اليمنيين من باتوا كأحجار متهالكة على أقبح رقعات شطرنج يتلاعبها تابوهات الحروب وسماسرتها وتجارها وأمراؤها الأمميين وحتى آخر عبيدهم المحليين وأغلب هؤلاء المتأخرين ليسو سوى مرتزقة متمصلحين وليس لهم من الأمر شيء أكثرهم لا يعلمون شيء مما يؤمَرون به ولا يؤتمنون على شيء مطلقاً فقط يتلقون توجيهات وينفذون أوامر غض النظر عن نتائجها العبثية المدمرة.

 

يبقى ضحايا الوضع المتأزم "اللا طبيعي" في اليمن هي اليمن بكل سيادتها وسياستها وثرواتها وأمنها ومصالحها ومجتمعها المنكوب، وتبقى معها الهدنة الأممية كمشروع افتراضي تتحكم به عوامل ضعف وقوة أطراف الصراع بكل تراتبيتهم داخلياً وخارجياً سيما مع اشتداد الصراع العالمي القطبي على ثروات كل الدول ومنها الأكثر فقراً ليتصدر الغاز المسال وأخواته كالنفط الأخفوري صدارة اعتبارات وقرارات وخيارات وحسابات وخطط وخرائط ومشاريع الاستحواذ الأممي "الاضطراري" تزامناً مع أكبر حالة تصعيد حربي قد يتطور إلى نووي لعسكرة اقتصاد العالم وليشهد شرق الكوكب بالحرب الروسية الأوكرانية على فضاعة الصراع القطبي المميت، هنا وجدت القضية اليمنية نفسها بكل صراعاتها وأجنحتها وبكل مخزوناتها الدفينة من ثرواتها "الغازية" الحسية، ومعاناتها المنسية على طاولة أرباب الصراع وكبار المقاولين الحربيين على سطح الكوكب، لكن وبرغم كل هذا الحظ المتوفر لليمن بحضورها المأساوي، كيتيم مغتصب خجول إلاّ أنها أول الضحايا ولن تكون أخيرة، في ذات الأثناء تحاول الهدنة الأممية ترميم الممكن من ندوبها الغائرة ولكنها بنجاحها إن حصل مرهونة باتفاق واختلاف أرباب صراعات الأمم المهدورة وتجارها وسماسرتها الأوغاد حتى إشعال آخر.


Create Account



Log In Your Account