وائل الدحدوح.. كعنقاء تنبعث من تحت الركام
الجمعة 27 أكتوبر ,2023 الساعة: 08:31 مساءً

أعلم يقينا بأن الإعلام أصبح فعله مدويا، كما الرصاصة، والصاروخ، تماما. لقد وظف الغرب "الإعلام" بطرائق غير إخلاقية، عبر إمبرطوريات ضخمة، أبرزها أمبراطورية اليهودي (مردخاي)، التي فعلت فعلها في تشكيل عقول الرأي العام، بحسب خطط وبرامج، تتفق بشأنها مع عدة دول  ومنظمات عالمية عديدة، ومنها أمريكا. 

مثلًا، عند غزو العراق مارس 2003م، لتحقيق أهداف الأمريكان الحقيقية من ذلك الغزو، كانت كتائب الإعلام هي المتقدمة لصفوف الجيوش، وكُلنا يعلم التضليل الإعلامي الواسع للرأي العام، الذي كانت تمارسه كتائب الإعلام الإمريكية، لاحتلال العراق، وتحويله من قوة عربية وإسلامية _ كجيش ودولة وثروات_  إلى ما هو عليه اليوم من دولة وظيفية،  عدمية، محتلة، ومنهوبة الثروات والمقدرات. 

كما هو الحال اليوم تماما في فلسطين، العزة والكرامة والصمود، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين. تم غرس كيان منبوذ منذ الخليقة، وفي تيه وشتات، لا ينتهي، وهو الكيان الصهيوني، والذي يفاصله كل مسلم في المعمورة، وينابذه بأنه خنجر وضع في ظهر الأمة.. كيان بغيض على هيئة دولة وظيفية، مسخ للغرب المتفلت من كل قيم الإنسانية والحضارة، وحقوق الإنسان والدول، وتتبدى يومًا بعد آخر سوءته وتناقضاته حيال تلك المسميات. 

في يوم 7 أكتوبر أفاق العالم على صدمة كبيرة اذهلته، صدمة.. تنشد العزة والكرامة، والعدالة والحرية، وحق الإنسان في الحياة والوطن، في التحرر والانعتاق. 

لقد توجه العالم بكله نحو قبلة ذلك الحدث العظيم. لقد كانت فلسطين، وغزة، وبيت المقدس، وأكناف بيت المقدس.. لقد ضُرب المشروع الصهيوني في عمقه ضربةً، أحدثت دويا هائلًا وصدمة لم تفق منها حكومة وشعب الدولة الوظيفية اللقيطة، وأربابها، قادة الغرب، وأبرزهم الأمريكان. 

لقد (استفاق) الجميع على فعل عسكري مذهل خارج عن كل التوقعات والنظريات العسكرية، ألا وهو طوفان الأقصى المزلزل. ولست في صدد الحديث عن عمق ذلك الفعل كجانب عسكري، لكن الفعل المذهل أيضًا هو ما تحدثت عنه سابقا، 
وهو انطلاق كتائب الإعلام متوازيًا مع العملية، إنْ لم  يكن قبلها كتضليل للعدو! 

لقد كان - وما زال - الفعل الإعلامي لطوفان القدس حقيقة، فيه من المهنية العالية والاحتراف ما لا تخطئه العين. فعل.. ينم عن الاستعانة بخبرات إعلامية عريقة، لتحقيق أهداف، أبرزها إعلام عسكري ونفسي واجتماعي ومعنوي، وتشكيل رأي عام متماسك على مستوى الداخل الفلسطيني، بعمومه، وكذلك على مستوى شعوب دول المحيط، بل والعالم الإسلامي بالعموم، وكل دعاة الإنسانية، والمناصرين لحقوق الإنسان والشعوب في العالم، في الانعتاق من الظلم، والتحرر، والانفكاك من الاحتلال. 

ولا ننسى الهدف الواضح جميعًا جليًا، وهو فضح الإعلام المتحالف الصهيوني وأربابه، سواء الأمريكي، أو الأوروبي، وفضح تضليله وغواياته وهو ما أجاده باحتراف الجهاز الإعلامي لطوفان القدس. 

حقيقة أنا مذهول من حراك وأداء الكتائب الإعلامية لطوفان القدس خاصة، وكذلك طواقم الإعلام الحر المناصر للقضية الفلسطينية كقضية حق وطن للفلسطينيين، وقضية بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، كحق لكل المسلمين في العالم.. 
ماذا صنع، ويصنع "وائل الدحدوح" قائد كتائب الإعلام الحي والحُر!

مذهولٌ أنا ممايحدث. إنها ملاحم خلود، 
سوف يسطرها التاريخ، بل سوف تتشكل نظريات جديدة عن ما يحدث من خوارق خارجة عن المألوف، في الحروب ونظرياتها. 

في غزة الصمود والملاحم والبطولات بعد 24ساعة البطل "وائل الدحدوح" يعود إلى ثغره الصحفي، كمجاهد ثابت. لقد تعرض بالأمس، لأهوال وقعت له، لوقعت على جبل لخر وتفتت. 

"وائل الدحدوح" أيقونة الصحافة الحُرة، ورمز للقول، وفعل للفكرة الحية، جبر الله قلبه، ونظّر وجهه، وتقبل أهله من الشهداء، وجعلهم له من الشُفعاء. 

هو صحفي.. مثّل بفعاله الحية كسلوك، تجسد في أرض معركة، ليست ككل المعارك، إنها معركة، هي تباشير الفجر القادم، هو ورفاقه وطاقمه وكل صحفي يخوضونها وقد باعوا أنفسهم، وأعراضهم ودمائهم، وأهاليهم لله ولمهنتهم، ينشدون الحرية والكرامة، وينتصرون للمظلومين ضد أبناء بني صهيون، ومن شايعهم من المنافقين، ممن حولهم في الشرق، وإخوانهم من زعماء وشياطين الغرب. 

"وائل الدحدوح" وكل من أشرق كأمثاله، نعيشهم - هذه الأثناء - كنماذج، يتطابق مع الجيل القرآني الفريد ،الذي سطر للأمة أمجادها، وتاريخها. 

"وائل" ومن معه، ومن حوله، ينبعثون الآن من تحت الركام، كأنهم مامسهم سوء، فانقلبوا برضوان من الله واصطفاء، فما وهنوا، وماضعفوا في سبيل الحقيقة. 

ليلة أمس الأول، لم يغمض لنا جفن، ونحن نتأمل وائل، مرات... ومرات.. ومرات.. تأملناه في الشاشات، ولاحقنا إلى مهاجعنا.. تأملناه بعيونا، وقلوبنا، وعقولنا، بل وكل سُلامة منا، لصموده ورباطة بأسه، وهو يعانق طفله المضرج بدمائه، ثم يُقبله، ويتخضب وجهه بدماء طفله، ثم وهو يهدهد ولده الشاب، محشورًا في محفة الإسعاف، ثم وتلك ابنته المغطاة بغبار آثار القصف بجواره، ثم ... يسير ليتفقد زوجته، المضرجة بدمائها الزكية الطاهرة ومسجاة، يحوطها كَفن ابيض. دمها الأحمر الطاهر، يفعل كما فعل كل أطفال غزة، حتى لا يُفقدوا، كانوا مازالوا.. كل واحدٍ منهم يسطر اسمه في جسده، لكي يُعرف من هول الركام الواقع، من الهمجية الصهيونية! 

وكانت الدماء كذلك في كفن زوجة وائل، أشبه ما يكون بلوحة خالدة موشاة، تتحدث بيقين الخلود والنعيم المنتظر.. غدًا  نلقى الأحبة، محمدًا وصحبه. غدًا نلقى الأحبة.. وائلًا، وصحبه، وأولاده، وكل عزيز .. غدًا الملتقى، وإلى الله المشتكى.
"وسيعلمُ الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون".


Create Account



Log In Your Account