الـ30 من نوفمبر.. اليوم الذي دفن مخططات التقسيم وأحيا روح الوحدة
الجمعة 01 ديسمبر ,2023 الساعة: 01:34 صباحاً

في الـ30 من نوفمبر من كل عام، يحتفي اليمنيون بذكرى عيد الجلاء، كمناسبة وطنية هدفها تخليد الحدث والإنجاز الكبير، لكن برغم ذلك، ما يزال معظم اليمنيين يجهلون عظمة هذا اليوم. 

البعض يعرف عن الـ30 من نوفمبر بأنه عيد وطني وحسب وهذا أمر مقلق للغاية، والبعض الاخر وهو الارقى وعيا من سابقه يعرف ان هذا التاريخ شهد خروج آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن، وهذا أمر جيد في الواقع، لكنه يبقى في حدود الوعى الدنيا، وقلة قليلة من يعرف حقيقة هذا التاريخ وعظمته، ليس لانه خلّص اليمن من الاحتلال وحسب بل لانه افشل مخططات رسمها الاخير للاحتفاظ بوجوده او بنفوذه على الأقل في المستعمرة الثائر أهلها. 

ثمة مشكلة في الأمر بل مشاكل جمة يقف ورائها حكومات وساسة ونخب، أدت إلى قصور مخيف في الوعي الشعبي تجاه تاريخ وطنه وملاحم الآباء والاجداد ضد الغزاة. 

حتى لا نذهب بعيدا، دعونا نتحدث عن جزئية مهمة للغاية من هذا اليوم. 

فضلا عن أنه جاء كثمرة لنضال شعبي ونخبوي استمر لسنوات طويلة، تحول هذا النضال منذ 14 أكتوبر 1963 إلى ثورة انتهت بطرد المحتل، فإن الثلاثين من نوفمبر أحبط مخطط بريطانيا الذي كان يهدف إلى ترسيخ فكرة التقسيم التي عملت عليها لفترة طويلة، وذلك أملا منها في الاحتفاظ لنفسها بالسيطرة على الجنوب. 

فكرة التقسيم أرادتها بريطانيا في مسارين متوازيين، الأول الحفاظ على صورة الفصل بين الجنوب والشمال القائم حينها، لسلخ الجنوب عن يمنيته ليسهل عليها إدارته بعيدا عن المتغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية وحتى القبلية المترسخة لدى المجتمع اليمني، والتي كانت تمثل مصدر تهديدا كبير لها، اما المسار الثاني فكان تقطيع أوصال الجنوب نفسه إلى سلطنات ومناطق حكم ذاتي، على قاعدة "فرق تسد"، وهذا كله لتتمكن من أحكام قبضتها على عدن المهمة استراتيجيا واقتصاديا، حيث الهدف الاول لها من احتلال جنوب البلاد. 

إذن.. كيف أفشل 30 نوفمبر مخطط البريطانيين؟ 

ببساطة، مع اندلاع ثورة 14 أكتوبر وصمود الثوار، بدأت بريطانيا تفقد الأمل بالبقاء، لكنها لم تيأس من فكرة إبقاء النفوذ. 

لأجل بقاء الاحتلال او على الاقل نفوذه، عمل المستعمر - كما أشرنا سابقا - على سلخ جنوب الوطن من هويته اليمنية ، طارحا مشروعا انفصاليا يحقق رغبته الاستعمارية، وللأسف وجد تيارا محسوبا على أنه مقاوم للاستعمار ؛ غير أنه قريب منه؛ لذا لم ينتهج فكرة العمل المسلح وإنما انتهج فكرة السياسة ؛ فكان له حضور في الخارج أكثر من الحضور في الداخل ؛ هذا التيار اسمه :جبهةالتحرير. 

لقد آمنت هذه الجبهة بالمشروع الذي طرحه المستعمر تحت مسمى اتحاد الجنوب العربي، ولقد كان هذا المشروع هو الانفصال الحقيقي الاول لليمن. 

بالمقابل هناك تيار ٱخر اسمه الجبهة القومية، والتي كانت تؤمن بالعمل المسلح لطرد المحتل ، وترى أن تقديم  العمل السياسي  على العمل المسلح لن يعيد الوطن؛ لذلك كان للجبهة الشعبية حضور في الداخل، وكسبت دعم وتأييد الشعب. 

ولأنها تؤمن بالعمل المسلح ولاترى غير رحيل المحتل، رفضت مشروعه الانفصالي، وما اسماه اتحاد الجنوب العربي. 

لقد قاومت الجبهة القومية المستعمر ، ومشاريعه؛
حتى اضطر المستعمر لإعلان رحيله عن عدن. ففي فبراير 1967 اعلنت بريطانيا أن رحيلها من عدن  سيكون في 9 يناير 1968، قبل تضطر لتقديم تاريخ الرحيل إلى 30 نوفمبر 1967، لسبب سنوضحه تاليا. 

هذا الإعلان جعل الجبهتان تتهيئان لاستلام عدن بعد خروج المستعمر، لكن نظرا لاختلاف ايدلوجية الجبهتين وقياداتهما؛ بدأ بينهما صراع، تصاعدت وتيرته لاحقا، وانتهى الأمر بأن قضت الجبهة القومية على جبهة التحرير. هذا الانتصار جعل الاحتلال يضطر للتعامل مع الجبهة القومية، ويقدم موعد رحيله إلى 30نوفمبر1967، كما أشرنا سابقا 

برحيل المستعمر رحل مشروع الانفصال، وما يسمى بالجنوب العربي ؛ بل دفن بقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي أعلنتها الجبهة القومية في الثلاثين من نوفمبر 1967. 

سيقول قائل : برحيل المستعمر لم ينته الانفصال.. وهذا صحيح، لكن رحل أهم من ذلك وهو فكرة الانفصال، فإعلان قيام الجمهورية الجديدة التي تحمل اسم اليمن كان الخطوة العملية الأولى لانهاء التقسيم. 

هذا الاعلان، وما سبقه من تطورات، تبعها خطوات أخرى بين قيادتي الجنوب والشمال وتكلل الأمر بتحقيق الوحدة. 

لكن الأمر المحزن ان نجد اليوم بعد كل تلك التضحيات من يحاول اعادة المشاريع الاستعمارية. 

هؤلاء لم يكونوا سوى أذناب للمستعمر، فمن ينادي اليوم بالانفصال؛ وتحت مسمى الجنوب العربي! إنما يبعث مشاريع دفنها الأحرار بدمائهم. 

لم يكن الانفصاليون يرون يوما، بريطانيا استعمارية، وأنها كانت محتلة للوطن؛ وإنما يرونها صديقة. وحتى في فترة احتلالها التي استمرت أكثر من قرن؛ لم تكن في نظرهم سوى صديقة.


Create Account



Log In Your Account