النقل الجوي فشل الإدارة وتبعات الحرب
الأحد 29 يوليو ,2018 الساعة: 07:18 مساءً

قطاع النقل قطاع حيوي ويعكس حرية التنقل والقدرة عليه من الناحية الأمنية والاقتصادية. والنقل الجوي هو معيار تنموي سواء نقل داخلي أو خدمة لمواطنين البلد من والى الخارج أو اجتذاب سياح أو عبور كما هو حال بعض البلدان مثل الإمارات.

فالتنقل رافعة إقتصادية اجتماعية تعزز من توزيع الفرص وإحياء النشاط الإقتصادي وتخفيف الفقر ورفع مستوى التعليم وتوفير الخدمات. والنقل الجوي مؤشر لانفتاح أو انغلاق بلد على محيطه الإقليمي والدولي.

ونحن في اليمن مدينون للجمهورية انها جلبت معها الطرق وشركة الطيران الوطنية كشرايين حياة.

من نافلة القول أن اليمن تمتلك موقعا استراتيجيا ليس بحريا فقط ، لوقوعها على البحر الأحمر وبحر العرب، ولكن على صعيد حركة الملاحة الجوية باعتبارها حلقة وصل بين قارتين، وفي موقع غير بعيد من الشرق الأوسط وأوروبا.

هذا الموقع جعل فرصة شركة الطيران اليمنية تنتفع كثيرا من رحلات العبور التي كانت تمتد من العاصمة الإندونيسية في أقصى الشرق مرورا ب" داكا "في بنغلاديش وكراتشي الى مروني وجونهانسبرغ في جنوب افريقيا والى لندن وفرانكفورت وباريس ومارسيليا في أوروبا .

وتدريجيا فقدت اليمن هذا الإمتياز لأنها استندت على ناقل وطني وحيد هي شركة ينخرها الفساد وسوء الإدارة وتمكين الأقل كفاءة واعتبارها أداة سلطة خاصة بنظام صالح. وحين تأسست شركات رديفة داخلية كانت على حساب الناقل الوطني في التكاليف بينما الأرباح تذهب الى جيوب قلة منتفعة.

مع هذا كانت الإحصائيات الخاصة بالنقل الجوي في العام 2011 قد بلغت 20176 رحلة جوية استفاد منها 1,6 مليون راكب في رحلات دولية وقرابة مليون راكب في رحلات محلية.

أي أننا أمام ما نسبته 10% فقط من إجمالي السكان هي القادرة على الإنتفاع من النقل الجوي وثلثا هذا العدد سافروا لغرض الإستطباب في دول قريبة على افتراض أن 500 الف شخص سافر الى الخارج، ففي رحلتي الذهاب والعودة ، يصبح لدينا ثلثا رقم المسافرين على الرحلات الدولية. وهذه إحصائيات مخجلة من حيث العدد أو غرض السفر. ومخجلة أيضا لأن اليمن في 2006 بدأت في إجراءات تحرير الأجواء الوطنية أمام شركات النقل العربية والأجنبية وبالفعل تضاعفت رحلات الشركات العربية كالإماراتية أو المصرية والقطرية وكذلك التركية بالمقابل لم تتأسس شركات طيران محلية مقتدرة يمكنها الاستفادة من السوق واحتياج اليمنيين لناقل يمني غير اليمنية يمكنه أن يوظف يمنيين وينشط قطاع النقل الجوي بالكفاءات والخبرات.

ونحن هنا لن نتحدث عن سياسة إنشاء وتشغيل المطارات والتي لم تكن تعكس فسادا فجًّا كما هو الحال مع مطار صنعاء الجديد الموؤد ولكن سياسة تمييز وسوء إدارة حين نجد أن المطار الأول تاريخيا في محافظات الشمال في تعز صار مطارا ميتا بينما محافظة كـ "إب" الأكثر كثافة سكانية والأكثر عددا من المغتربين في دول الخليج أو الغرب ليس فيها مطار ولا تستفيد من مطار تعز العاجز والعجوز وسيء التخطيط والموقع الجغرافي. أو محافظات كالبيضاء ومأرب ليس فيها مطار بالمرة. يوجد في فرنسا ما يزيد على 150 مطارا مدنيا.

 

لكن الكارثة تتجلي من خلال إحصائيات العام 2017 فتعكس فشلا ذريعا في إدارة ملف النقل الجوي وحصارا متعمدا على المواطن من طرف شركة النقل الوحيدة "اليمنية" وتعطيلا متعمدا لمصالح الناس وعدم اكتراث لغاية سفرهم جوا وهو كما أسلفنا الإستطباب في لحظة لم يكن النظام الصحي قد أنهار كما هو الحال الْيَوْم.

بلغ عدد الرحلات الجوية 1669 في 2017 أي أن حركة النقل الجوي لم تتجاوز 8% ما كانت عليه في العام 2011 في الوقت الذي تدعي الحكومة الشرعية الإستيلاء على 80% من أراضي البلاد وثلاثة مطارات دولية (مطار عدن الذي يوازي في قدرته التشغيلية مطار صنعاء، ومطار سيئون الذي استقبل ١٣ الف راكب العام المنصرم كأقصى رقم تشغيلي وبالطبع مطار المكلا) ومطار سقطرى وإن كان بعيدا عن البر.

واستفاد من هذه الرحلات 160 الف راكب العام المنصرم. صحيح أن الكتلة السكانية الأكبر ما تزال تحت قبضة الحوثي، مع هذا لم تفلح الحكومة في جعل المناطق المحررة نقاط استقطاب وتشغيل لقطاع النقل. وهي وإن كانت تحكم على ثلث السكان فإن المستفيدين من حركة الطيران لا يمثلون عشر المواطنين في المناطق المحررة قياسا بنسبة المستفيدين من عدد السكان في 2011. تستفيد 1,3 % منهم فقط من حركة الطيران.

ويعود السبب  بالطبع الى إقتصار النقل على شركة ناقلة وحيدة سيئة السمعة والخدمات هي "اليمنية"  تشتغل عمليا بطائرتين فقط، الى جانب طائرتين معطلتين هي أسطول الشركة اليمنية بعد نصف قرن من التأسيس و25 محطة دولية.

علما أن الشركة اليمنية تشغل ما يزيد على أربعة الف موظف كأعلى معدل توظيف لشركة طيران تنفق عليهم عبر رفع أسعار تذاكر الطيران أربعة أضعاف وابتزاز وفساد واهمال وإحتيال.

لكن بالمقابل لم تتمكن الحكومة من الإلتزام بتشريعات تحرير المجال الجوي الوطني أمام الشركات الدولية وتوفير ظروف طيران ملائمة وضمانات وتشغيل المطارات البعيدة عن المعارك عبر شركات نقل عربية خليجية أو غيرها. لكن دول التحالف العربي لم تقدم أدنى جهد في هذا الأمر وهي بإمكانها فعل الكثير والكثير ضمن التزامها الأخلاقي والقانوني المصاحب للتدخل العسكري في اليمن دعما للحكومة الشرعية.

الملفت ان إدارة شركة طيران اليمنية يتم بنفس ذهنية إدارة الحكومة حيث تختص منطقة جغرافية بعينها للوظائف وفقا لقاعدة الولاء على حساب الكفاءة وهذا سبب رئيس في إنهيار الخدمات ولكن أيضا اضمحلال شركة كانت بمثابة ماركة وطنية وام لكل اليمنيين.

بين الفساد وسوء الإدارة وسوء الطوية يحاصر اليمني.


Create Account



Log In Your Account