مجنون أنقذه مهمشاً من السيول، فمات مهملاً  بمستشفى الثورة!
الأحد 07 أبريل ,2024 الساعة: 01:49 مساءً

تعتبر مهنة الطب، من أسمى وأرقى المهن، في حياة اي مجتمع، من المجتمعات الإنسانية منذ قدم الوجود الإنساني على ظهر هذا الكوكب.

 وظلت هذه المهنة طوال التاريخ وحتى العصر الحديث وهي في خدمة الفرد والمجتمع، ودون النظر إلى مسألة الكسب والربح من خلالها، لكونها مهنة إنسانية، يجب أن تؤدي بالشكل المناسب وبالصورة المثلى، دون تهرب، أو تقاعس، أو تخلي عن المسؤولية، فالكل ينبغي التعامل معهم بمعيار واحد، أياً كان ذلك الشخص، فقيراً أم غنياً، أكان هنا أو هناك، أي في هذا البلد المتقدم، علمياً وطبياً وتكنولوجياً، أم في ذاك البلد المتخلف والفقير.

                      كسب وإستغلال 

وعلى هذا السياق، أقول إنه رغم أهمية هذه المهنة وبصورة كبيرة في حياة الشعوب، إلا إنها أضحت خلال الآونة الأخيرة، تأخذ منحى  الإستغلال والكسب، وجمع المال، وتكوين التجارة الغير شرعية، وهذا فعلاً ما يحدث في الوقت الحاضر، في الكثير من بلدان العالم، ومنها البلدان النامية، بدرجة رئيسية.

                     على الهامش 

بدليل ما هو قائم حالياً في بلادنا اليمن، حيث أصبح الإنسان على الهامش لا قيمة له، إلا إذا كان لديه مالاً ، أو إمكانيات كبيرة، أو صاحب جاء، أومن  ذوي سلطة نافذة، بالإمكان أن ينظر إليه، وإلى مريضه، أما دون ذلك فلا، وعليه أن يكون خارج هذا المجتمع، الذي لا يرحم أحداً، وبالذات من قبل أولئك الأطباء، أو ما يطلق عليهم بملائكة الرحمة، بينما هم بعيدون وليس لهم علاقة بذلك، إلا من رحم ربي. 

و نادراً ما يكون هنالك، أطباء لديهم إنسانية تجاه الآخرين ، ولكن بنسبة بسيطة، ربما لا تذكر، وبالذات في مثل واقعنا  الذي لا يحترم آدمية الإنسان، إلا من كان ذات سلطة ، أو منصب ، أو لديه مسؤولية في الدولة ، وبالتالي ستظل مسألة كهذه قائمة ، ما دام والأمور كلها أصبحت هوشلية .

ومن يحاسب من ، وهذا ما هو واضح ، في الوقت الراهن ، و يشمل هذا كل مؤسسات وهيئات الدولة ، بشكل عام ، بما فيها تلك المؤسسات التي تقع في إطار سلطة الشرعية ، والتي ربما تكون أكثر إضطراباً ، وفوضوية وفساداً عن غيرها .


وتقع  محافظة تعز ضمن هذه الدائرة إذ  تعاني أكثر من غيرها في هذا الأمر ، بحكم غياب الرقابة الإدارية ، عن هيئآت ومؤسسات الدولة ، فضلاً عن غياب المساءلة القانونية ، لكل مسؤول هنا أو هناك ، وخصوصاً في ظل هذه الأوصاع ، المضطربة  والغير طبيعية ، وهو ما أتاح فرصة سانحة ، لمثل أولئك البشر ، في هذه الهيئات والمؤسسات ، بالتصرف  كيفما يشاؤون ، في حين لا يوجد هنالك من يحاسبهم ، على ما يقومون به ، من أخطاء وأعمال مخلة من خلال وظائفهم .

وهذا فعلاً ما يحصل في معظم مرافق ومؤسسات الدولة  العاملة في تعز ، ومنها تلك المستشفيات الحكومية العامة ، التي لم تُعد تؤدي أي دور يذكر تجاه المواطنيين ، و تحول عملها ، إلى عملية سمسرة ، وتجارة ودون ذلك لا يوجد شيئاً ، سوى عبارة عن مباني مكتظة بالموظفين ، وبالمواطنيين ، الذين ينتظرون أن تُقدم لهم خدمات طبية ، ولكن شيئاً كهذا يظل معدوماً وغائباً ، إذا لم تتوفر الإمكانيات المادية ، وبالذات لأولئك الغلابى المساكين. 

رغم أن الدولة تنفق على هذه المرافق ، والوحدات الصحية ، والمستشفيات الطبية العامة ، ملايين الدولارات في كل عام .


ومع هذا فإن الخدمات الصحية ، على مستوى المناطق والمدن اليمنية ، أصبحت تتضاءل وتقل أكثر فأكثر ، من حيث خدماتها الطبية ، وهذا ما يلاحظ في محافظة تعز ، التي تعاني هذه المشكلة أكثر من غيرها ، نتيجة لتحول العديد ، من مرافقها ومستشفياتها العامة ، إلى تجارة ، أي قطاع خاص ، وهذا ما هو حاصل فعلاً ، لإن السلطات المحلية في المناطق المحررة ، رفعت يدها عن مرافق ومؤسسات الدولة الخدمية ، ولم تُعد لها أية رقابة عليها .
 
بدليل ما حدث لذلك المجنون ، الذي أخذته السيول قبل أيام ، ومن ثم جرفته معها ، في وسط تلك القمائم والأتربة ، وأوحال الأمطار ، ثم  جاء واحداً ، من أولئك البني آدمين ، أو لنقول من ذوي البشرة السمراء ، وأنقذه من وسط ذلك الوحل ، ومن ثم حمله ، على كتفه وذهب به  إلى مستشفى الثورة العام بتعز .

ولكن للأسف ، لقد ظل ذلك المجنون ، في طارود المستشفى ، لعدة ساعات ، ودون أن ينظر إليه ، من قبل قسم الطوارئ بالمستشفى ، حتى فارق الحياة .

       

إذن نتساءل هنا ، أين الإنسانية ؟
وأين نحن من ذاك العالم الآخر ، الذي أصبح يستأنس ويلطف بالحيوان، فيما نحن لا نتعامل مع الإنسان  كإنسان ، إلا بمقدار إمكانياته، أو مسؤولياته.


فكيف بذلك المجنون ، الذي يعيش مشرداً بالشارع ، ليل نهار ، وعلى خلسة من أمره ، أخذته السيول ، ومن ثم جيء به إلى المستشفى ، وهو فاقد الوعي ، ولا يملك شيئاً ، وحتى الذي أسعفه هو الآخر من فئة المهمشين لا يملك مالاً ، ولكنه أقل ما يملكه في هذه الدنيا ، هي الإنسانية .


Create Account



Log In Your Account