الأثمان الباهظة للحرب في اليمن والأطماع الإقليمية و الدولية... كيف انتهت سقطرى إلى قربان إماراتي للتطبيع مع إسرائيل ولماذا التزمت الشرعية الصمت؟
السبت 03 أكتوبر ,2020 الساعة: 07:05 مساءً
يوسف عبدالعزيز - سلمان شمسان - الحرف 28 - خاص

خلال الأسابيع القليلة الماضية توالت التقارير التي تحدثت عن تسارع وتيرة الإستحداثات الإماراتية في جزيرة سقطرى.

في أحدث تصريح لمسؤول يمني يصف الوزير المستقيل صالح الجبواني  ما يجري في سقطرى بالخطير.

وقال في مقابلة مع موقع "عربي 21" اللندني إن "الإمارات ترسخ وجودها في سقطرى ، وإن لم نسارع لإنقاذها ستتحول الجزيرة إلى قاعدة للموساد الإسرائيلي".

يضيف محذرا : أمر خطير جدا أن يصبح الموساد شرطي خليج عدن وباب المندب والبحر العربي.

وحمل السعودية "مسؤولية خاصة في إنقاذ الجزيرة، وهي محافظة يمنية أصيلة من هذا المآل".

من جانب آخر كان محافظ أرخبيل سقطرى رمزي محروس بعث برسالة للرئيس هادي نهاية سبتمبر الفائت يؤكد ان شخصيات أجنبية وصلت إلى الجزيرة دون تأشيرة دخول من قبل الحكومة الشرعية، وتم تعطيل جميع الإجراءات الرسمية المعمول بها في الجزيرة.

في الرسالة ما يوثق أن الإمارات تتصرف في الواقع كصاحبة سيادة كاملة على الجزيرة.

يؤكد محروس ما رددته تقارير غربية خلال الأسابيع القليلة الماضية عن وصول أجانب وسفن عتاد ومعدات اتصالات وأدوات مختلفة الى الجزيرة دون إذن من الحكومة الشرعية.

يعيد المسؤول الذي خرج من الجزيرة على وقع حرب إماراتية علنية على السلطة المحلية هناك بأسلحة التحالف في 19 يونيو الماضي ،التذكير بنهب معسكرات الدولة.

ويوضح جانبا من أهداف الاستيلاء على سقطرى  بإفراغها من أسلحة الدولة ، حيث يتم "نقل السلاح وتهريبه لخارج الجزيرة".

كما أن سلطات الإمارات مستمرة في نقل المسلحين من خارج الجزيرة وأن "هناك ما لا يقل عن 1000 مسلح من خارج الجزيرة ممن جندوا في جزيرة سقطرى على طريقة المرتزقة لمحاربة أبناء سقطرى".

حملت الرسالة واقعا صادما يؤكد أن أرخبيل سقطرى لم يعد يربطه باليمن سوى الإسم، فهناك نشاط محموم لإنشاء معسكرات "في شرق وغرب سقطرى وفي الساحل الشمالي والجنوبي وفي حرم المطار" والعمل مستمر بتشييدها، وأرفق محروس برسالته وثائق.

وخلال الأيام القليلة الماضية تحدثت أنباء عن وصول قوات عسكرية أجنبية "مرتزقة"، بينما تقول أخرى إنها قوات سودانية وسنغالية، جلبتها الإمارات.

توضح هذه المعطيات والوقائع أحد مآلات الحرب التي شنها التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية.

فالبلد الذي جاءت السعودية والإمارات لإنقاذه كما تزعمان يدفع أثمانا وكلف باهضة لحرب هي جزء من أطماع اقليمية وصراعات دولية صارت أكثر وضوحا، فهي لا تبدأ بالإمارات ولا تنتهي بإسرائيل.

سقطرى .. الجغرافيا والمزايا 



 تقع جزيرة سقطرى على بعد 280 كيلو متر من الساحل اليمني و80 من القرن الأفريقي، وفي مدخل بحر العرب الممتد إلى خليج عدن والبحر الأحمر، أي البوابة الجنوبية لأهم طريق بحري للتجارة والجيوش بين الشرق والغرب.

كما تقع على أطراف بحر العرب وأعالي المحيط الهندي، عند الطرق البحرية الرئيسية للنفط والتجارة بين شرق آسيا وأفريقيا والبحر الأحمر إلى أوروبا.

تمتاز جزيرة سقطرى عن غيرها من الجزر في المحيط الهندي بعدة خصائص أهمها: كبر مساحتها التي تقترب من 3700كم2، وقلة سكانها ووحدتهم الإجتماعية، وتنوع تضاريسها بين الجبال والسهول والهضاب، مع تأثير ذلك على تلطيف المناخ فيها.

يبلغ طول ساحل الجزيرة 350 كيلو متر، وامتدادها من الشرق إلى الغرب 135 كم، ومن الجنوب إلى الشمال45كم.

كما أن الجزيرة من أكبر الجزر في المحيط الهندي وتبعد قرابة 500 كيلو متر من قاعدة ديغوغارسيا في ذات المحيط التي تعد أكبر قاعدة أمريكية في المحيط الهندي، ونقطة متقدمة لمواجهة التحديات في أفريقيا والصين وجنوب شرق آسيا.

لكن تلك القاعدة لا تتجاوز مساحتها 50 كيلو مترا مربعا.

أهمية الجزيرة في نظريات السيطرة العسكرية الدولية

تقع جزيرة سقطرى في الهلال الداخلي لنظرية قلب الأرض وفقا لعالم الجغرافيا السياسية ماكندر، إذ تشكل جزءا من الجسر الذي يربط بين الفولغا حتى شرق سيبريا وبين أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

كما أن نظرية الهولندي الأمريكي الجيوستراتيجي نيكولاس سبايكمان تضع سقطرى ضمن الإطار الأرضي الذي يشكل إطارا يحيط بالقلب السوفييتي، وبحسب نظرية القوة الجوية مفتاح البقاء لسفرسكي تقع ضمن منطقة المصير التي تعد أهم المناطق الاستراتيجية المسيطرة على الأجزاء الأخرى من العالم.

أهميتها بالنسبة لإسرائيل

إن أهمية الجزيرة إقليميا بالنسبة لإسرائيل هو في تزايد الاهتمام الإسرائيلي بالسيطرة على البحر الأحمر، وتأمين طريق التجارة إلى ميناء إيلات في أقصى شمال البحر الأحمر، وتسعى حثيثة لتأمين البوابة الجنوبية للبحر الأحمر من خلال السيطرة على جزيرة سقطرى التي تقع شرق خليج عدن بوابة الجنوب للبحر الأحمر.

كما تمكنها من حصار الجزيرة العربية من الجنوب، والتوغل غربا في أفريقيا تجاريا، وتعزيز علاقاتها مع دول شرق آسيا، واستخدامها قاعدة لصراعها مع إيران، وإن كانت هذه الذريعة حتى الآن محل شك، فجهود الطرفين حتى الآن تبدو متنافسة على وراثة المنطقة وليست في حالة صراع.

كما تسعى إسرائيل لمراقبة والتحكم بحركة الملاحة البحرية وتحركات القوات العسكرية في المنطقة.

وبتأسيس قاعدة إسرائيلية أو أمريكية في الجزيرة تكون الأجزاء الجنوبية للوطن العربي والشرق الأوسط مطوقة تماما لتلك القوى. 

ويقول خبراء عسكريون إن إسرائيل كانت أحد أهم الواقفين خلف الغزو الأرتيري لجزر " حنيش" اليمنية في البحر الأحمر منتصف التسعينيات من أجل ذات الهدف، وللمصادفة فقد تحدثت بعض التقارير وقتها أن دولا خليجية ضالعة في تشجيع ارتيريا لاحتلال الجزر.

ومع التحالف الاستراتيجي المتزايد بين الإمارات وإسرائيل فإن السيطرة على الجزر الغربية والجنوبية لليمن تعود من البوابة الإماراتية، حيث تتحدث تقارير اكدتها وسائل اعلام غربية عن شروع الإمارات بالتعاون مع تل أبيب في بناء قواعد استخباراتية لمراقبة جميع الأنشطة المختلفة في المنطقة.

أهمية الجزيرة بالنسبة لأوروبا

حاول الرومان سابقا غزو سقطرى كما تقول بعض كتب التاريخ، لكن أهمية سقطرى ظهرت بقوة عند الكشوفات الجغرافية حيث حاولت البرتغال تأمين مستعمراتها في الهند وشرق آسيا وأفريقيا بالسيطرة على الجزيرة وساحل جنوب اليمن، وتهديد مكة والمدينة، ثم سيطر عليها العثمانيون لحماية مكة والمدينة وتأمين وجودهم في الهند، ومواجهة التحركات الأوربية الجديدة. 

وتأتي بريطانيا بحكم خبرتها التاريخية في الهند والجزيرة العربية والقرن الأفريقي، يراودها حنين العودة للبحار كما عبر ذلك صراحة وزير دفاعها قبل سنوات.

وفرنسا التي تواجدت في جيبوتي ولديها قاعدة عسكرية من الدول المهتمة بجزيرة سقطرى، من بداية القرن الثامن عشر، حين زارتها سفن حربية فرنسية في رحلة استكشافية في الطريق الى عدن والمخا.
كما أن لدى باريس مصالح في جنوب اليمن بشبوة ومأرب من خلال مشروع الغاز الذي تسيطر عليه وتشغله شركة توتال الفرنسية العملاقة.

من جانب آخر يهدف الروس إلى التواجد في الجزيرة لمصالحهم العسكرية، ولموازنة الوجود الأمريكي في المنطقة، لأهمية المحيط الهندي في السيطرة العالمية، وكان الإتحاد السوفيتي سابقا يحظى بنفوذ واسع جنوب اليمن حيث كانت جمهورية  اليمن الديمقراطية الحليف الأكبر في المنطقة في إطار المعسكر الإشتراكي وبالتأكيد فقد كان النفوذ يشمل سقطرى أيضا.

ويجمع بين كل الدول الكبرى مصلحة في الجزيرة باعتبارها مشرفة على طريق التجارة ، ما يجعل السيطرة عليها لقوة واحدة ينذر بتصعيد من القوى الكبرى، في ظل غياب تام للحكومة الشرعية اليمنية بعد طرد آخر ما تبقى لها من قوات في الجزيرة في 19 يونيو الماضي على يد قوات موالية للإمارات بوجود قوات سعودية.

أهمية الجزيرة للأمريكيين

تقوم استراتيجية الأمريكيين تجاه سقطرى وخليج عدن والبحر الأحمر على عدة أسس أولها تأمين طرق التجارة البحرية والنفطية، وتأمين إسرائيل، وتأمين نقل القطع العسكرية الإمريكية بسرعة.

وتمتلك أمريكا قاعدة ديغوغارسيا جنوب سقطرى تمثل نقطة اتصال وربط بين القواعد الأمريكية المنتشرة في الخليج ووسط آسيا والمحيط الهندي وأفريقيا.

غير أن أهمية أخرى لسقطرى تبرز بالنسبة لأمريكا في مواجهة الأخطار الإقليمية لواشنطن، وأولها الصين، والقوى البحرية في شرق آسيا ، وتحتاج الولايات المتحدة إلى قاعدة كبيرة غير قاعدة ديغو غارسيا.

بالنسبة للخليج



تذهب دراسات وتقارير إلى أن دول الخليج تفكر جديا في طريق بديل لمضيق هرمز لنقل النفط في حال انفجار حرب محتملة ضد إيران، مع إستمرار التهديد الإيراني ضد الناقلات في المضيق.

ويأتي مشروع مد أنابيب إلى حضرموت على رأس أولويات الخليج والسعودية تحديدا تجاه جنوب اليمن، عند ميناء حضرموت النفطي حيث تعد جزيرة سقطرى قريبة منه لحمايته وتأمينه.

ماذا تريد إيران ؟

بالمقابل تسعى إيران إلى تأمين ممرات بحرية آمنة لها في حال خاضت حربا عسكرية في الخليج أو حوصرت وتسعى لخنق خصومها في الخليج وتهديد خصومها خارج الخليج من خلال باب المندب والسيطرة عليه عبر الحوثيين.

وقد اشتكت السلطات اليمنية منذ اكثر من عشر سنوات من التواجد الإيراني في المياه الإقليمية اليمنية وبالقرب من جزيرة سقطرى.

وسجلت السلطات اعتداءات سفن حربية إيرانية على صيادين يمنيين في عهد نظام الرئيس السابق صالح ولم تقم الحكومة بأي خطوة لكبح تلك الإعتداءات.

ومؤخرا اشتكى وزير الثروة السمكية فهد كفاين من وجود سفن إيرانية بالقرب من الارخبيل.

فلاش باك .. الإشارات الأولى لصراع الفيلة

يمكن أن يكون مؤتمر أصدقاء اليمن في لندن 2009م الذي نظمته بريطانيا فجأة، دون أن تسبقه تأثيرات إعلامية أو مشاكل إنسانية حادة، أو تهديدات أمنية خطيرة، بداية لفهم الصراع الدولي والإقليمي على اليمن وفي القلب منه أرخبيل سقطرى.

في ذلك المؤتمر حضرت كثير من الدول الكبرى والمنظمات المانحة إلا أن الصين لم تُدعَ إليه وهنا يمكن فهم أحد مداخل الصراع على جزيرة سقطرى، وفهم الصراع أيضا في اليمن الممتد منذ عقد تقريبا.

رأت الصين في مؤتمر لندن لأصدقاء اليمن، تهديدا لها وأرسلت لأول مرة في تاريخها العسكري أسطولا بحريا لحماية تجارتها من الخليج وإلى أفريقيا، والأمر ليس من باب الصدفة أبدا.

وتقول دراسات عسكرية إن التدخل البريطاني الأمريكي في اليمن من خلال مؤتمر لندن الذي شكل بداية فعلية لمواجهة الصين، ساهم في مساعدة الهند على تشكيل قوة عسكرية كبيرة في مضيق ملقا جنوب شرق الصين بين ماليزيا واندونيسيا لحماية السفن اليابانية ومحاصرة الصين.

كانت الصين قد وقعت اتفاقية مع الجمهورية اليمنية قبيل الحرب على تطوير وتوسيع ميناء عدن بقيمة تزيد عن 500 مليون دولار أمريكي، لكن الحرب اشتعلت قبل أن يبدأ التنفيذ. 

وكان لافتا أن مبادرة الحزام والطريق الصينية التي أعلنت عنها الصين في 2013 قد تركت أيضا ميناء عدن جانبا، واختارت ميناءا بديلا في القرن الأفريقي على المحيط الهندي، ولدى الصين أيضا ميناءا ضخما في جيبوتي.


 كما أن الرئيس هادي دعا في 2018 جمهورية الصين الشعبية إلى تفعيل مذكرة التعاون والتفاهم معها حول ميناء عدن، وألمح إلى إمكانية أن يوافق اليمن على إدراة صينية لميناء عدن.

جاء ذلك بعد أشهر قليلة من سيطرة الإمارات بالقوة العسكرية على عدن نهاية يناير من العام الماضي.

وفي تصريح نادر للسفير الصيني لدى اليمن في مقابلة مع موقع الحرف 28 ألمح إلى أن هدف الحرب في اليمن هو مشروع الحزام والطريق الصيني وإبعاد اليمن عن " الطريق ".

المتابع مؤخرا لنشاط السفارة الصينية في اليمن يجد اهتماما صينيا متزايدا بالشأن اليمني في أدق التفاصيل والمناسبات وصولا إلى تعليقات وتسجيل موقف حتى في قضايا الإبداع والقضايا اليومية العادية في اليمن.

التطبيع الإماراتي يضع كل الأوراق على الطاولة

على وقع تسارع نقل العلاقة بين إسرائيل والإمارات من الوضع السري الى تطبيع معلن، أخذت الصورة تتضح أكثر خلال الأسابيع القليلة الماضية مع تأكيد تقارير غربية شروع الامارات بإنشاء قواعد استخباراتية بالتعاون مع إسرائيل في جزيرة سقطرى. 

وانتهت المحاولات الإماراتية طيلة الحرب لوضع اليد على جزيرة سقطرى، بالسيطرة التامة عليها في 19 يونيو الماضي، بواسطة تشكيلات المجلس الإنتقالي الجنوبي التابع لها.

وكان لافتا أن ابوظبي لم تستطع تحقيق هدفها عندما كانت قواتها موجودة في الجزيرة، ونجحت فعلا مع الوجود الكثيف للقوات العسكرية السعودية في الأرخبيل.

بالنسبة للصين فإن الاعتراف الإماراتي بإسرائيل ليس سوى خطوة في تحالف أمني ضد مشروع الحزام والطريق الصيني، وهو ما أوردته صحيفة ساوث شينا الصينية الناطقة بالإنجليزية.

كما أن صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية قالت أيضا تعليقا على التطبيع الإماراتي الإسرائيلي إن الهدف أمريكي ايضا يكمن في محاصرة الصين وباكستان وتضييق الخناق على مشروع الحزام والطريق الصيني.

وكتب السفير الصيني لدى اليمن مقالا في موقع "الثورة نت" بمناسبة الذكرى الـ71 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، عن رغبة بلاده بإنهاء الحرب في اليمن للمشاركة في مشروع مبادرة الطريق والحزام الصيني، في إشارة إلى عزم الصين المواجهة في اليمن ضد القوى الغربية التي تهدد مصالحها.

العالم يتسابق على جزيرة ليست مهمة بالنسبة للشرعية !


وسط كل هذا الصراع المحموم والسباق الإقليمي والدولي حول الجزيرة، بدا الأرخبيل الإستراتيجي غير مهم بالنسبة للسلطة الشرعية.

ويقول محللون يمنيون إن موقفها الضعيف والصامت مما يحدث في الجزيرة هو جزء من التلف العام الذي أصاب الشرعية حيال مختلف قضايا البلاد.

بالنسبة للإمارات فقد أظهرت أطماعها في الجزيرة منذ لحظات الحرب الأولى، وكانت سلطة الرئيس هادي على اطلاع بالملفات التي شكلت جزءا من اهتمامات الامارات قبل الحرب في عهد الرئيس السابق صالح.

فضلا عن ذلك، فقد كان هادي شخصيا أكثر العارفين بداعمين انقلاب الحوثي صالح، وكان يتوجب عليه بحسب المنتقدين لأدائه أن يكون أكثر احتراسا ويقظة في التعامل مع هذه الأطراف.

مع اشتعال الحرب أرسلت الإمارات، ضباط استخبارات بعضهم يعمل بغطاء الهلال الأحمر الإماراتي.

تقول مصادر حكومية إن سلطات هادي كانت تعرفهم تماما، وقد سمحت لتلك الأنشطة بالتغلغل والتعامل مع المواطنين لاستقطابهم، واستغلال أوضاعهم المعيشية.

ومع استمرار سياسة غض الطرف، بدأت الأنشطة تمس السيادة مباشرة، بإرسال قوات عسكرية الى جزيرة نائية تبعد عن جبهات القتال مع الحوثي مئات الأميال، وكانت خاضعة بالكامل للسلطة الشرعية.

وتنامت الأنشطة الإماراتية وصولا إلى إرسال قوات عسكرية للسيطرة على ميناء ومطار الجزيرة.



كان هادي يدرك تماما ماذا تريد الإمارات، لكنه لم يقم بأي تحرك يذكر، باستثناء الرفض السياسي لتلك الأنشطة والطموحات.

في إحدى المقابلات الصحفية ينقل عضو مجلس الشورى د. عصام شريم عن الرئيس هادي قوله إنه رفض طلبا إماراتيا باستئجار الجزيرة لمدة 99 عاما. " الرئيس ليس بياع " يؤكد شريم في معرض دفاعه عن الرئيس.

المؤكد أن الرئيس هادي وسلطته الهشة كانوا يرفضون تلك التصرفات.

لكن الإكتفاء بالرفض بالنسبة لرجل يمتلك صلاحيات رئيس دولة وسلطات في الجزيرة تركها وحيدة وأدوات دبلوماسية وعلاقات دولية لم يفعلها، كان الطريق الى الإحتلال الذي تعيشه الجزيرة الآن.

وتمادت الإمارات في تطوير أنشطتها في الجزيرة على مرأى ومسمع من سلطات هادي وبحضور سعودي مسلح كبير في الأرخبيل.

فإلى التصرف بالأراضي وحجز مساحات شاسعة وبناء مصنع لتعليب الأسماك لا يخضع بأي شكل للسلطات اليمنية كمظهر لنهب الثروة السمكية في البحر، ذهبت الإمارات الى تعزيز أنشطتها العسكرية وتجنيد الأفراد، بينما ظل الرئيس وطاقم سلطته الشرعية متفرجا.

وقد بح صوت محافظ الأرخبيل رمزي محروس وهو يبعث الرسائل تلو الأخرى حتى وصلت الأمور الى وضع اليد على الجزيرة.

مفتتح الحرب والتمزيق.. المشروع الإيراني السعودي الإماراتي

الراسخ أن الأنظمة العربية وبالأخص الخليجية منها ظلت طيلة العقود المنصرمة أدوات وظيفية في السياسة الدولية لخدمة مشاريع القوى الكبرى.

واشتدت وتيرة الإنحدار مع إشتعال ثورات " الربيع العربي" وشعور الأنظمة بمخاطر امتداد شرارتها اليها، فاندفعت طالبة النجدة وتقديم المزيد من الخدمات للكبار بدعم وتمويل الثورات المضادة والانقلابات واشعال الحروب الأهلية بالوكالة، مع تعاظم انكشاف مشروعيتها والبحث عن مظلات حماية للبقاء في الحكم.

وكان اليمن واحدة من الساحات التي تكاملت فيها جهود الثورة المضادة التي تمثلها إيران وبعض دول الخليج.

ومثَّل انقلاب الحوثي صالح في 21 سبتمبر 2014 واحدة من ثمار التعاون المباشر وغير المباشر بين إيران ودول خليجية خصوصا الإمارات حيث تولت الأخيرة تمويل الانقلاب بحسب تقارير غربية، بتواطؤ سعودي، في حين كانت طهران تتولى إدارة دفة الانقلاب سياسيا وعسكريا وتحقق المكاسب الجيوسياسية منفردة.

ومع ابتهاج طهران بإسقاط العاصمة العربية الرابعة، هرعت السعودية لتشكيل تحالف عسكري، سرعان ماصارت الإمارات الشريك الإقتصادي الأكبر لإيران، الدولة الثانية في التحالف وظهرت أبوظبي مرارا بأنها اللاعب الرئيسي في رسم توجهاته وفرض أولوياته.

وأشعل التحالف حربا هذه المرة بشعار مخاتل حمل لافتة دعم الشرعية وانهاء الإنقلاب وقطع يد إيران في اليمن، لتدارك ما فات الرياض في الحملة السرية الأولى الداعمة للإنقلاب.

وبرزت الأجندة الخفية للحرب المدمرة مع مرور سنوات الحرب، لتبدو أكثر وضوحا في عامها الخامس والسادس.

في عدن جنوبي البلاد حيث أعلنها الرئيس هادي عاصمة مؤقتة للبلاد بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، سرعان ما تساقطت الشعارات البراقة للتحالف.

ففي مطلع عام 2017 منعت طائرة الرئيس اليمني ،الذي قدمت قوات التحالف لمساعدته، من الهبوط في مطار عاصمته البديلة، وتوالت الضربات على رأس الرئيس الضعيف الذي وضع بيضه كله في سلة التحالف.

بحلول 10 أغسطس 2019 أنهت أبوظبي والرياض بواسطة المجلس الإنتقالي الجنوبي الذي صنعته الأولى وسلحته على عين ورعاية من الثانية، أي وجود للرئيس هادي وحكومته في عدن.

واستيقظ الرجل المقيم في الرياض مذهولا على انقلاب ثاني في عدن بأسلحة التحالف، بعد سلسلة من الممارسات التي قوضت وأضعفت الشرعية في المناطق المحررة.

و ذهبت الامارات والسعودية لجني مكاسب الحرب في الجغرافية المحررة، فأرسلت قواتها الى المحافظات التي كانت خارج سيطرة الحوثي ولم تشهد قتالا.

اتجهت السعودية شرقا نحو حضرموت والمهرة حيث يخامرها مشروع الأنبوب النفطي، والسيادة على تلك المناطق، بينما يممت الامارات غربا وجنوبا لتصل الى جزيرة سقطرى، ليس بهدف قتال الحوثيين، فهم لم يكونوا هناك يوما، بل لطرد قوات الحكومة الشرعية من الأرخبيل.



 ففي 19 يونيو 2020 أكملت المهمة التي بدأتها من وقت مبكر تحت سمع الشرعية وبصرها، وتمكنت من السيطرة على الجزيرة بواسطة قوات المجلس الإنتقالي الجنوبي التابع لها، وأرسلت شحنات الأسلحة والمقاتلين من خارج الجزيرة واحدة بعد الأخرى، وكانت قوات شريكتها السعودية تشرف على تلك الخطوات.

ولم تتمكن الإمارات من السيطرة على الجزيرة إلا بتواطؤ سعودي واضح حيث اتهم المحافظ رمزي محروس وقتها القوات السعودية بتمكين الانتقالي والامارات من السيطرة على الجزيرة.

اللافت أن القوات الإماراتية التي أرسلتها أبوظبي للسيطرة على ميناء ومطار الحزيرة نهاية يونيو 2018، واجهت ممانعة شديدة من رئيس الحكومة احمد عبيد بن دغر حينها وتوجه الرجل إلى الجزيرة لدعم السلطات المحلية والعسكرية هناك.

وقبلت سلطات الرئيس هادي وقتها وجود قوات سعودية " لتهدئة التوتر" وتعاملت معها كقوات حفظ سلام، وكان ذلك بحسب ناشطين يمنيين خطأ قاتلا أظهر الأمر كما لو كان نزاعا بين اليمن والإمارات.

يقول يمنيون إن الوضع في الجزيرة انتهى على نحو يؤكد تكامل الأدوار بين الرياض وأبوظبي رغم ما يبدو من تنافس بين الحليفين لالتهام أكبر قدر من النفوذ والسيطرة في البلاد.

فقد تمكنت الإمارات من وضع اليد على الجزيرة بوجود القوات السعودية التي قدمت لحماية الجزيرة، وأعقبت السيطرة إدخال خبراء إسرائيليين وبناء معسكرات وانشاء قواعد استخباراتية بالتعاون مع تل أبيب، وسط صمت يمني رسمي.



مستقبل اليمن .. يريدونه صومال آخر .. وماذا بعد؟

يمكن أن يكون جار اليمن من الجهة الجنوبية على الضفة الأخرى جنوب غرب البحر الأحمر هو النموذج الذي يجري صناعته في اليمن، فخلال عقدين، ترك الصومال يخوض صراعا أهليا مدمرا بلا نتيجة حاسمة، وانفصلت عدة أقاليم عنه مثل بونت لاند وأرض الصومال جغرافيا وسياسيا.

لكن هذه الكيانات لم تحظ بأي اعتراف، وبقيت الحكومة الصومالية المدمرة في الصومال هي المعترف بها دوليا رغم انقطاع العلاقات معها حتى بداية ومنتصف العقد الثالث من الحرب الأهلية، مع بدء الحرب في اليمن.

وبعد 30 سنة حرب بدأت السفارات والدول الكبرى تعود رويدا رويدا إلى الصومال، لكن البلد مازال مشطورا الى الآن، ومازالت أذيال الحرب ومؤامرات وأطماع الإقليم تحول بينه وبين المستقبل، لكنه يكافح للوصول.

وإذا كان الصومال قد غرق في حرب أهلية طويلة، كانت مفاعيلها الداخلية هي محركها الرئيس، فإن الدول الاقليمية لم تتورط في التدخل العسكري على أرضه، باستثناء محاولة امريكية يتيمة انتهت بذكريات مريرة ومحرقة البلاك هوك.

كما أن أحدا لم يجروء على التواجد على أرضه إلا تسللا، او بعلاقات غير مشروعة كما حصل في بونت لاند، استطاع مؤخرا كبحها برفع عقيرته عبر المؤسسات الدولية.

بالنسبة لليمنيين فإن اعتقادا شائعا يكاد أن يصبح لسان حال الجميع، فهم يرون أن المشكلة التي تتسبب ببعثرة اليمن الى أجزاء والسيطرة على جزره ومحافظاته وموانئه، ليس المخططات الخارجية وحدها، بل إن ميزة وجود سلطة شرعية معترف بها دوليا، وضعيفة حد الإرتهان، لا تفعل شيئا، تكاد تغدو كارثة كاملة.

في سقطرى يرسم الصمت الرهيب الذي يخيم على الحكومة اليمنية، والتحركات على الأرض للإمارات برعاية سعودية، مستقبلًا قاتمًا للجزيرة وللبلد عموما مقارنة بالحد الأدنى من أداء الشرعية الواهن خلال الفترة الماضية.

ففي مايو 2018 وجهت حكومة الدكتور أحمد عبيد بن دغر رسالة احتجاج الى مجلس الأمن بعد ارسال الإمارات قوات عسكرية للسيطرة على ميناء ومطار الجزيرة، ساعدت في كبح جماح الغطرسة الإماراتية.

كان ذلك أقصى ما استطاعت الحكومة فعله، ورغم ضعفه فقد صار مضربا للشجاعة بالنظر لما آلت إليه الأمور لاحقًا.

ورغم أن الإمارات ظلت طيلة الفترة اللاحقة ترسل شحنات الأسلحة وتشكل المليشيات في الجزيرة وتدعم التمردات، فلم تبذل الشرعية أي تحرك دبلوماسي فعال خارجيا باستثاء اللجوء للسعودية، الشريك الرئيسي لكل ماتقوم به الإمارات، كما لم تقم بدعم القوات العسكرية هناك وتحصينها من الإختراقات.

يتذكر اليمنيون رسالة أحمد عبيد بن دغر وموقفه من السلوك الإماراتي بإعجاب وحسرة، فقد تدهورت الأمور على نحو مخجل أكثر وذهبت الأمور بعيدا.

في 19 يونيو سيطرت الإمارات على الجزيرة عسكريا بدعم مليشيات أشعلت حربا بأسلحة التحالف ضد السلطة المحلية والجيش، وجلبت معها إسرائيل لبناء معسكرات وقواعد استخباراتية ، وقد التزمت جميع مؤسسات الدولة الإفتراضية : رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة ومجلس النواب، الصمت.


ومطلع سبتمبر الماضي وجه اثنين من أعضاء مجلس النواب أسئلة سقطرى عبر رئاسة المجلس لرئيس الوزراء وحكومته بشأن ما يجري في سقطرى.

استند كلا من النائب علي المعمري والنائب علي عشال على مادة في الدستور وأخرى في اللائحة الداخلية للمجلس الذي بات مشلولا عن القيام بأي دور يمثل الإرادة الشعبية اليمنية.

قال النائبان في الرسالة إن المعلومات الواردة بشأن شروع الإمارات في إنشاء معسكرات وشركة اتصالات وتسيير رحلات جوية والاستحواذ على مساحات شاسعة من مناطق المحميات البيئية في سقطرى، تحتاج لإجابة كتابية من "معين عبدالملك" رئيس الحكومة.

ودعا النائبان رئيس الوزراء لتوضيح الإجراءات التي اتخذتها الحكومة والاجراءات الفعلية التي قامت بها لعودة سلطات الجزيرة لممارسة عملها في الجزيرة.

لكن الحكومة التي تقيم في الرياض ويتهم رئيسها بالعمل ضمن طاقم السفير السعودي، تلتزم الصمت، تماما كما يفعل الرئيس في مقر إقامته.

أما رئيس مجلس النواب فيخوض جولات من المنازلات في معارك ضد بعض زملائه وكان آخر أهدافه زميله في هيئة رئاسة النواب عبدالعزيز جباري، دفاعا عن التحالف.

في نهاية المطاف يقف اليمن الذي تمزقه حرب عبثية للعام السادس على التوالي، شبه مدمر، ويعيش أسوأ أزمة إنسانية وانهيار اقتصادي، فيما يسيطر التحالف على موارده وموانئه، ويتنافس رأسا التحالف لالتهام ما تبقى منه جنوبا.

في محافظات شمال اليمن باستثناء محافظات تعز ومأرب والجوف رغم توغله في بعض المديريات هناك، يتم ترسيخ دولة الحوثي بإجراءات انفصالية على الأرض، ساعدتها سياسة التحالف العدائية تجاه اليمنيين بصورة عامة، وضعف الشرعية واستسلامها.

وتظهر معارك مأرب الأخيرة تقاطع رغبات اقليمية ودولية في تصفية الشرعية، و إقامة مايمكن أن نقول عليه الحدود المرسومة لدولة الحوثي كما تنقشها القوى الكبرى بموافقة إقليمية.

بنظر اليمنيين، فإن الحرب لم تدمرهم فحسب، بل جعلتهم وجها لوجه مع ما يسمونه غدر الحلفاء، فالجزيرة المسالمة التي لم تشهد حربا منذ قرون حولها التحالف إلى ساحة حرب فعلية لأول مرة في تاريخها حين سفكت الدماء بأسلحة التحالف، ضد الشرعية التي يزعم مساندتها.

لكن ما هو أسوأ من كل ذلك بالنسبة لليمنيين الناقمين هو أن جزيرة سقطرى قدمت قربانا على هامش تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل.

أما الرئاسات اليمنية الثلاث، فقد صنعت مفارقة أخرى: أعلنت موقفها" الداعم للقضية الفلسطينية" ضدا على التطبيع ، لكنها لم تخبر شعبها عن موقفها حيال اختطاف سقطرى نحو إسرائيل، ولا ماذا تفعل حيال القضية اليمنية عموما.

ذلك هو أسوأ من كل شيئ حدث حتى الآن.


--------

المصادر التي اعتمدت عليها المادة :

 (1) د. عبدالله الفقيه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء
https://www.aljazeera.net/opinions/2010/2/10/%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D9%84%D9%86%D8%AF%D9%86-%D9%88%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A9-%D8%A5%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%B0-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86-2 

(2) ظلال جواد كاظم، أطروحة دكتوراه جامعة الكوفة، الأهمية الاستراتيجية لجزيرة سقطرى2012 الفصل الخامس. صـ2.

(3) المصدر السابق نفسه، صـ3.

(4)   https://www.saba.ye/ar/news331063.htm

(5)  http://www.alharf28.com/p-31470

(6)   https://althawra-news.net/news114051.html

(7)  كان ذلك في نهاية نوفمبر 2017.

(8)  https://www.bbc.com/arabic/interactivity-39891787

(9)  https://studies.aljazeera.net/ar/article/4751

(10) https://yemenshabab.net/news/59321  

(11) المركز العربي للدراسات والبحوث، سقطرى الجزيرة المنسية من العزلة إلى مركز استرتجي رئيسي.

(12) رصيف22 عن التحركات البريطانية للعودة إلى الخليج والمحيط الهندي

(13) ترجمات لتقارير متنوعة من صحف أمريكية مثل وول ستريت جورنال وغيرها صدرت خلال الفترة القليلة الماضية.

 

 


Create Account



Log In Your Account