ماذا يجري خلف غبار المعركة وتحت الطاولة؟.. حرب الحدود والنفط .. تحسين شروط التفاوض بين السعودية والحوثيين
الأربعاء 04 مارس ,2020 الساعة: 09:34 مساءً
متابعات

مدخل

    عندما بدأ التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية التدخل في اليمن دعماً للحكومة المعترف بها دولياً في مارس/أذار2015م، قَدم الدبلوماسيون والمسؤولون السعوديون وعوداً لحلفاء المملكة الغربيين عدة أسابيع لجلب جماعة الحوثي إلى طاولة المفاوضات مع الحكومة وفقاً لشروط الحكومة الشرعية. في ذلك الوقت كان الخبراء والمتابعون العسكريون يخشون أن تغرق المملكة في حرب اليمن وأن تستمر الحرب سنوات، إذ أن إعلان نهاية الحرب أصعب بكثير من إعلان بدئها فمن غير المتوقع متى تنتهي الحرب. وباستراتيجية ناقصة تقوم على مجموعة من التكتيكات والكثير من المخاوف تدخل السعودية العام السادس من الحرب في اليمن.

 

التطورات الأخيرة بين (18يناير/كانون الثاني2020 وفبراير/شباط2020) بتقدم الحوثيين في شرق صنعاء ومحاولة الوصول إلى مركز محافظتي مأرب والجوف في ظل حالة الانقسام داخل معسكر التحالف، تكشف جزءاً لما يمكن أن يفعله إطالة أمد الحرب، قد تعيد الأوضاع إلى ما قبل حدوثها. فمن الواضح أن الحوثيين يسعون إلى أن تكون الخريطة العسكرية مثل تلك التي كانت موجودة في يناير/كانون الثاني2015، أي بعد أشهر من سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء ومعظم المحافظات الشمالية. تمهيداً للاستجابة إلى دعوات ومطالبات الأمم المتحدة بالدخول في مشاورات شاملة لإنهاء الحرب في البلاد.

 

تقييم حالة الحرب والسلام في اليمن مع مطلع عام 2020 ستتطرق إلى: خطوط الحرب بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دولياً، والانقسامات في معسكر الحكومة والتحالف، والدعوات الأممية للمشاورات مع فشل اتفاق "ستوكهولم". إضافة إلى المشاورات الخلفية التي تُدار في مسقط بين السعودية والحوثيين.

 

خطوط الحرب الجديدة:

شهد عام 2019 تغيرات مهمة للغاية منها: إعلان الإمارات مغادرة الحرب في اليمن وتسلم السعودية مقر إدارة التحالف في مدينة عدن -عاصمة البلاد المؤقتة - وتسلم نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان (شقيق ولي العهد) الملف اليمني. وبدأت المملكة مشاورات مع الحوثيين عقب استهداف منشآت نفط سعودية حيوية أدت إلى وقف مؤقت لنصف صادرات السعودية من النفط. كما أن خطوط الحرب ظلت على حالها منذ 2018 دون تغير كبير يُذكر. ومع مطلع 2020 بدأ الحوثيون شن هجمات كبيرة على القوات الحكومية ( الجيش الوطني) بإحداث تقدم شرق صنعاء في مديرية نهم، والتقدم باتجاه مركز محافظتي مأرب والجوف، مركز العمق القبلي المؤيد للحكومة المعترف بها دولياً. لكن ذلك كان في نهاية المطاف نتيجة تغيّر في استراتيجية التحالف والحكومة للحرب على النحو التالي:

 

- وقف الجبهات: بعد أن جرى الإعلان على "اتفاق ستوكهولم" بين الحوثيين والحكومة الشرعية نهاية (2018) توقفت جهود الحرب باتجاه محافظة الحديدة (غربي اليمن)، وهي منطقة حيوية بالنسبة لاستراتيجية المملكة العربية السعودية. وبموجب اتفاق الحديدة الذي تضمنته الاتفاقية فإن وقف إطلاق النار الهش استمر طوال 2019، مع انعدام التحركات بشأن تنفيذ بقية البنود المتعلقة بالاتفاق.

ووقف إطلاق النار كان تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة [UNMHA] والتي بدأت عملها في يناير/كانون الثاني 2019 وتم تجديد ولايتها لمدة ستة أشهر أخرى في 13 يناير/كانون الثاني 2020. وخلال عام واحد تم ترأس البعثة ثلاثة من موظفي الأمم المتحدة. ولم تحقق تقدم في مراقبة وقف إطلاق النار إلا في أكتوبر/تشرين الأول2019 بإنشاء خمسة مراكز يسهل من خلاله نقل البضائع بين الميناء والطرق المؤدية إلى الداخل والخارج. ولم يحدث تقدم بشأن "إعادة نشر القوات" و"تسليم الموانئ الثلاثة (الحديدة، رأس عيسى، الصليف) إلى قوة أمن محلية، وإدارة عائدات الموانئ". وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة تتحدث عن تقدم في الاتفاق بعد عام على توقيعه إلا أن "اتفاق ستوكهولم" من ثلاث أوراق فقط ويمكن ملاحظة أي تقدم إن وجد. فالصيغة التي كُتب بها الاتفاق سمحت بالطبع لكل طرف بتفسير الموقف كما يشاء وهذا ما حدث.

 

- انخفاض الهجمات الجوية: انخفض معدل الهجمات الجوية خلال عام 2019. واستمر الانخفاض مع بدء مشاورات سعودية مع الحوثيين في سبتمبر/أيلول 2019 وحتى نهاية العام كما توضح الأرقام: فمن إجمالي (1181) غارة جوية خلال العام، يفترض أن يكون المتوسط الشهري 99 غارة ، لكن الأشهر الثلاثة الأخيرة انخفضت فعليا: حيث سجلت (80) في أكتوبر/تشرين الأول، و(39) في نوفمبر/تشرين الثاني، و(18) في ديسمبر/ كانون الأول.

- الهجوم على معسكر الاستقبال في مأرب: تعرض معسكر للقوات الحكومية في محافظة مأرب في 19 يناير/ كانون الثاني2020 وأدى إلى مقتل حوالي 86 جنديا لم يعلن أحد مسؤوليته عن هذا الهجوم، لكن الحكومة اتهمت الحوثيين الذين أنكروا مسؤوليتهم. وبدا أن اتهام أي جهة أخرى سيعرّض التحالف الذي تقوده السعودية للخطر وموقف صعب للغاية إذ أن "معسكر الاستقبال" كان مقراً للمجندين الجدد ضمن اللواء الرابع حماية رئاسية الذي قاتل المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات في عدن عدة مرات قبل أن يتم إخراجه في أغسطس/آب2019م.

حصل باحثون في مركز أبعاد للدراسات والبحوث على معلومات خاصة حول الصاروخ الذي استهدف معسكر الاستقبال في مأرب " تظهر أنه صاروخ بالستي مداه بين (110 إلى 150 كم) طوله لا يقل عن أربعة أمتار وقطره (30سم) بسرعة 2.3 (ماخ)، وبحمولة تفجيرية لا تقل عن 200كجم لديه نظام تحكم لإصابة الهدف، وهو يشبه صورايخ الحوثيين من نوع (بدر-F) الذي لا يزال بدائيا بعض الشيء كونه بدون رأس متشظي حيث تم وضع الشظايا في الراس على شكل مكعبات حديدية، ويبدو أنه لم يصنع محليا كما يدعي الحوثيون، بل دخل مجزء وأطلق من منصة أرضية ". وتشير معلومات أبعاد إلى أن نظام التحكم في الصاروخ تحطم في الانفجار لذلك كان من الصعب الحصول على أدلة واضحة حول مصدر صناعة الصاروخ، لكن الحوثيين يستعرضون بقدرتهم على انتاج أجيال من هذا النوع.

 

الهجوم على فرضة نهم والجوف

السيطرة على مواقع في فرضة نهم: وسط حالة الجدل بعد الهجوم الصاروخي على معسكر الاستقبال في مأرب، شن الحوثيون هجوماً عسكرياً على منطقة "نهم" شرقي العاصمة صنعاء. بعد عشرة أيام من بدء الهجوم أعلن الحوثيون "طرد القوات الحكومية من نهم شرقي صنعاء والمكونة من 17 لواء عسكري و20 كتيبة واغتنام عتادها بالكامل". كانت خطة جماعة الحوثي تهدف للالتفاف على "فرضة نهم" وخنقها وإجبار القوات هناك على التسليم وذلك من خلال قيامه في بداية المواجهات بالهجوم من ميمنة الميمنة وتحديدا على نقطة التقاء المنطقة السادسة (الجوف) والسابعة (نهم) حتى يتمكن من الوصول لمفرق الجوف مرورا بمديرية "مجزر" (الجوف). وفي "ميسرة الميسرة" كثف هجومهم وتحديدا على نقطة التقاء المنطقة العسكرية الثالثة مع المنطقة السابعة في "حريب القراميش"، وأراد الحوثيون السيطرة على الخط الاسفلتي الذي يربط مأرب بـ"فرضة نهم" والجوف لكن هجوماتهم كسرت بقوة في الميمنة والميسرة. واتجهوا لتكثيف هجوماتهم على "جبل المنارة والمنصاع" في قلب الميسرة حتى تمكنوا من التقدم في "المنصاع" بعد تلقي القوات الحكومية في تلك المنطقة بلاغات على أجهزة اللاسلكي بالانسحاب المتدرج وعند انكشاف أن قناة الاتصال تم اختراقها كان الحوثيون قد وصلوا إلى "مفرق الجوف" الاستراتيجي.


السيطرة على مفرق الجوف:
سيطر الحوثيون على "مفرق الجوف" الذي يربط المحافظة التي تحمل الاسم ذاته ومحافظتي مأرب وصنعاء. ويقع "مفرق الجوف" أسفل منطقة جبلية وبعدما سيطر الحوثيون على هذه الجبال أصبحت مناطق واسعة مكشوفة أمام نيرانهم فاضطر الجيش الوطني للانسحاب إلى مسافة آمنة. وتأتي أهمية مفرق الجوف أن من يتحكم فيه يتحكم في الطريق الرئيسي بين مأرب والجوف. وتوجد طرق ترابية صحراوية بين المحافظتين لكن يصعب استخدامها بالنسبة للسيارات المدنية. وبعد سيطرة الحوثيين على منطقة استراتيجية في نهم ووصولهم إلى مفرق الجوف أصبحت المناطق المتبقية باتجاه محافظتي مأرب والجوف ذات تضاريس سهلية ليس فيها مناطق جبلية وعرة ما يعطي من يسيطر عليها أفضلية في الميدان.


سيطرة الحوثيين على الحزم عاصمة الجوف : مطلع مارس/أذار2020 سيطر الحوثيون على مركز محافظة الجوف مديرية الحزم بعد أن سيطرت الجماعة على مديرية "الغيل" وهي معقل من المعاقل الفكرية للجماعة. ويبدو أن "معظم محافظة الجوف أصبحت خاضعة لسيطرة الحوثيين". وتفتح سيطرة الحوثيين على الحزم الطريق نحو محافظة مأرب المجاورة أخر معاقل الحكومة الشرعية شرق البلاد حيث يطل الحوثيون على مأرب من ثلاث جهات (شرقاً من جهة نهم وجنوباً من جهة صرواح وشمالاً من جهة الجوف) وبالتالي قد يبدأ مسارهم لتطويق مدينة مأرب إن لم تستطع الحكومة الشرعية الرد على الهجوم. وإذا ما تمكن الحوثيون من فرض نفوذهم الكامل على مديرية "خب والشعف" المجاورة لـ"الحزم" فإن ذلك يفتح مسار الجماعة نحو "وادي حضرموت" المحافظة الأكبر مساحة في اليمن والتي تحتوي على مخزون نفطي كما الجوف ومأرب.


كما أن سيطرة الحوثيين على الجوف يكسبهم حدوداً جديدة مع المملكة العربية السعودية، إذ ترتبط الجوف بحدود مع "نجران" السعودية (تبعد مدينة الحزم 150 كم عن الحدود السعودية). ومن خلال حسابات الأمن القومي للسعودية قد لا تطول سيطرة الحوثيين على الجوف وقد تعود المعارك كما كانت إلى حدود صنعاء الجبلية كون الجوف منطقة مفتوحة من السهل على الطيران حسم المعارك فيها، وفي حال ثبتت جماعة الحوثي اقدامها فعليا في الجوف فإن تلك الحدود الطويلة تكون مهددة، ما قد يعيد  إلى الذاكرة صورمعسكرات جماعة الحوثي التي نفذت مناورات واستعراض بالسلاح على الحدود السعودية بعد سقوط العاصمة صنعاء وقبيل انطلاق عاصفة الحزم.

 

عوامل دعمت الحوثيين في التقدم والسيطرة :

- انكسار القوات الحكومية في معارك نهم والجوف كان نتيجة طبيعية لغياب الثقة بين التحالف والحكومة بشقها العسكري، حيث تشير بعض المصادر عن عدم رضى قائد القوات المشتركة قائد القوات البرية السعودية الأمير فهد بن تركي على أداء وزير الدفاع الفريق الركن محمد المقدشي، والشكوى من انفراد نائب الرئيس الفريق علي محسن صالح بأوامر تحريك الجبهات، فأصدر الرئيس هادي قرارا باعتبار توجيهات الأمير هي توجيهات الرئيس في مايو 2018. وهو قرار أثبت عدم جدواه وأدى إلى صراعات داخل وحدات الجيش، كما استخدم لتصفية حسابات شخصية وتحقيق مصالح لا علاقة للحرب مع الحوثي بها.

- إضافة إلى هيئة الأركان اليمنية توجد العمليات المشتركة التي يقودها اللواء صغير عزيز، وعادة ما يحدث تنازع في الأوامر العسكرية بين الهيئتين. وتحدث القادة العسكريون عن تعدد ولاءات بسبب تلك الهيئتين. ويبدو أن تعيين "صغير عزيز" قائداً لهيئة الأركان نهاية فبراير/شباط2020 محاولة من الحكومة اليمنية لحل المشكلة.

- شكل ضرب طيران الإمارات للجيش على ابواب عدن في أغسطس/آب ضربة قاصمة للجيش وعزز الاعتقاد السائد بوجود مصالح للتحالف (السعودية والإمارات) لا علاقة لها بمساعدة الشرعية على إنهاء الانقلاب كما هو محدد في طلب الرئيس الرسمي لدعم التحالف العربي وانعكس ذلك سلبا على الميدان العسكري.

- تحولت الحرب إلى مصدر للفساد بين قادة التحالف وقادة في الجيش اليمني، فرغم أن الجيش يعاني من انعدام التسلح النوعي، إلا أن مصادر في التحالف تؤكد دفع عشرة مليون دولار شهريا للتسلح فيما مخازن وزارة الدفاع شبه خالية.

- فشل الحكومة في سحب الاتصالات من تحت سيطرة جماعة الحوثي أو تأسيس اتصالات موازية ومستقلة، الأمر الذي جعل كل شيء تحت رقابتهم إلى جانب أن الاتصالات تعتبر مصدر مالي كبير للجماعة في تمويل الحرب.

- يقاتل الجيش اليمني بأسلحة بدائية أمام جماعة الحوثيين التي أضحت تمتلك اسلحة نوعية وتستخدم قوة نارية كثيفة في المعارك، ويرفض التحالف تزويد شركائه بأسلحة نوعية.

- الفساد المالي والإداري في الحكومة والجيش فقد تضاءلت أعداد القوات الموجودة في فرضة نهم كثيرا حتى وصل عددها أقل من (25%) من عدد القوة المحدد، فمعظم الجنود والضباط في تلك الجبهات لم يتسلموا رواتبهم منذ أشهر طويلة، أدى في النهاية إلى مغادرتهم المعسكرات للبحث عن وسائل للرزق. كما أن الجبهات التي تقودها السعودية على الحدود تدفع رواتب عالية ومنتظمة.

- غياب التنسيق تحت غرفة عمليات موحدة، فقد تمكن الحوثيون من الالتفاف على يمين فرضة نهم عبر منطقة ضعيفة الدفاعات حيث تعتقد المنطقتين العسكريتين السادسة والسابعة أن تلك المنطقة تخضع لسيطرة الأخرى، ولذلك تمكن الحوثيون من الالتفاف والسيطرة على معظم تلك المنطقة. إضافة إلى التوجه نحو سلسلة "جبال يام" باتجاه محافظة الجوف والاقتراب من منطقة "براقش" التاريخية الخاضعة لسيطرة الحكومة والفاصلة بين "الجوف ومأرب".

- تحدث قادة عسكريون عن اختراق منظومة اتصالات الجيش من قبل الحوثيين وتوجيه نداءات إلى القوات الحكومية بالانسحاب. وأدى ذلك بالفعل للانسحاب. في واقعة واحدة تحدث قائد عسكري في "ميسرة نهم" أن قائدا عسكريا أحضر تعزيزات بأكثر من 4 دوريات عسكرية مليئة بالمقاتلين لكن بحلول المساء كان قد غادر بالتعزيزات كاملة فيما قال إنه تنفيذ للانسحاب. وأدى ذلك لمجموعة من الانسحابات من "فرضة نهم" أدت في النهاية إلى سيطرة الحوثيين. بعد عشرة أيام من الحادثة أصدر الرئيس اليمني قراراً بتعيين اللواء الركن أحمد حسان جبران قائداً للمنطقة العسكرية السابعة بدلاً عن "اللواء الركن محسن الخبي". على وقع ذلك صمدت بعض وحدات الحكومة اليمنية في "ميسرة نهم" لكن الحوثيين كانوا يدفعون بالمزيد من التعزيزات مع حصول مقاتليهم على الراحة للقتال في جولات متعددة ما جعل القوات الحكومية لم تتمكن من الصمود في ظل الضغط الشديد وانهاكها للقتال لعدة أيام دون وجود تعزيزات جديدة، لذلك انسحبت في نهاية المطاف. وتحدثت وزارة الدفاع اليمنية أن ما حدث هو "انسحاب تكتيكي" من المواقع العسكرية وسيتم استعادتها.

- سلاح المدفعية: أدى سحب السعودية لسلاح المدفعية الموجودة في مؤخرة القوات الحكومية في "ميسرة نهم" مبكرا إلى تعزيز الرسالة التي تحدثت عبر وسائل الاتصال للقوات الحكومية بالانسحاب. في نفس الوقت كثف الحوثيون القصف باتجاه القوات الحكومية، ما عزز قوة الحوثيين ودفع القوات الحكومية إلى الانسحاب، شكا قائد عسكري من الطيران الحربي في الأيام الأولى للهجوم وتحدث قائد عسكري أخر أن الاجتماعات التي بين القوات السعودية ووزارة الدفاع في مدينة مأرب لم تخرج باتفاق على إرسال تعزيزات وذخيرة إلى القوات المقاتلة في "نهم" ، بل بدلاً من ذلك نقل عن أحد القادة العسكريين السعوديين في الاجتماع إن "من الأفضل إرسال القوات الحكومية الموجودة جنوب البلاد للقتال في نهم".

- منذ وصول القوات الحكومية إلى منطقة نهم في 2016 لم تتغير مناطق القِتال واستمرت هذه الجبهة بالتمدد أفقياً نتيجة للالتفافات المتبادلة لتصبح على امتداد 50 كم تقريباً لكنها لم تحدث تقدم باتجاه العاصمة صنعاء خاصة مع وجود كم هائل من الألغام التي زرعتها جماعة الحوثي.

وبذلك ينقل وصول جماعة الحوثي إلى الجوف والسيطرة على مديرية "الحزم" الحرب في اليمن إلى مسار جديد، يجعل من الحوثي أكثر تفوقا في اي مفاوضات، فارضاً محددات أكثر دِقة حول المرحلة القادمة، مالم تكن هناك ردة فعل حكومية/سعودية مختلفة . فمعركة "الجوف" كانت تحت إشراف مباشر من القيادة السعودية وقائد التحالف" الفريق الركن الأمير فهد بن تركي "، وليس تحت قيادة الأركان اليمنية. وقد أدى ذلك إلى تنازع الصلاحيات بشكل كبير بين الوحدات العسكرية على الأرض والقوات التي دفعتها السعودية، حيث ظلت بعض الوحدات العسكرية ترفض أوامر محافظ الجوف اللواء أمين العكيمي وانسحاب بعضها ما تسبب بفشل خطط الدفاع والهجوم في منطقة الغيل وأدى ذلك إلى خسارتها بيد الحوثيين.

 

الأهداف السياسية للحوثيين الدافعة للتقدم:

ظل تقدم الحوثيين باتجاه منطقة نهم، وأجزاء من منطقة صرواح التابعة لمأرب ومحافظة الجوف، أمام القوات الحكومية ضمن التقارير المرفوعة حول تحركاتهم لكن لم يتم تعزيز تلك الجبهة، في حين تفرغت الحكومة الشرعية لخلافاتها مع "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من الإمارات. كانت الإمارات بالفعل قد سحبت دفاعاتها من صرواح وعلى تخوم مدينة مأرب في يوليو/تموز2019م مع إعلانها الخروج من اليمن. يعزز تقدم الحوثيون باتجاه محافظتي الجوف ومأرب موقفهم التفاوضي في أي مشاورات جديدة تدفع باتجاهها الأمم المتحدة. كما أن ذلك يعزز موقفهم التفاوضي مع المملكة العربية السعودية باستهداف أخر معاقل الحكومة الشرعية في شرق اليمن مع سيطرة "المجلس الانتقالي الجنوبي" الموالي للإمارات وتهديده الحكومة الشرعية في باقي المحافظات الشرقية والجنوبية.

 

بسيطرة الحوثيين على معظم محافظة الجوف تم تأمين معقلهم الرئيس "صعدة" و"عمران"، وبالسيطرة على أجزاء واسعة من "فرضة نهم" تمكنوا من تأمين محافظة صنعاء. كما أن الحوثيين يسعون إلى ضم محافظة الجوف إلى إقليم آزال الخاضع لسيطرتهم قبل دخول المشاورات القادمة لضمان تغيير مخرجات الحوار الوطني. فما جرى تحقيقه على الأرض يزيد موقف الحوثيين التفاوضي إذا لم يحدث تطور جديد يمكن الحكومة الشرعية من تعزيز وجودها العسكري.

 

قد يندفع الحوثيون نحو "مدينة مأرب" لكن للسيطرة على مناطق النفط في "صافر" حيث يشير قيادي حوثي إلى ضرورة الحصول على مناطق الغاز في محافظة مأرب بدلاً من المدينة. ويعيش في مدينة مأرب أكثر من مليوني نسمة معظمهم نزحوا من مناطق سيطرة الحوثيين.

 

كما أن فقدان الحكومة الشرعية لمراكز قوتها القبلية في محافظتي الجوف ومأرب، يمكن المملكة العربية السعودية من ممارسة الضغوط عليها للقبول بصفقة قد تتمكن من عقدها مع الحوثيين في مشاورات مسقط.


تداعيات التطورات العسكرية على الملفات اليمنية المفتوحة

أدت التطورات العسكرية الأخيرة إلى تأُثير عديد من الملفات المفتوحة داخل البلاد مثل "اتفاق ستوكهولم"، "اتفاق الرياض"، "المشاورات مع السعودية".

 

أ‌.   اتفاق ستوكهولم

أدت التطورات العسكرية في المحافظات الثلاث إلى اعتبار "اتفاق ستوكهولم" تجاوزه الزمن والأحداث. جرى توقيع الاتفاق في ديسمبر/كانون الأول 2018م. وقدمت الأمم المتحدة والرعاة الدوليون آملاً بتنفيذه في موعده المحدد (ديسمبر/كانون الأول 2018 و يناير/كانون الثاني2019) وكان من المقرر أن تبدأ جولة مشاورات جديدة في نهاية يناير/كانون الثاني2019 عدم تحقيق أي تُقدِّم في اتفاق ستوكهولم (وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار في الحديدة، تفاهمات تعز، الإفراج عن الأسرى والمعتقلين) قرر الحوثيون والحكومة بتأييد من المبعوث الدولي عدم الحضور لجولة جديدة من المشاورات. واستمر ذلك طوال تلك المدة فلم تعقد مشاورات بين الطرفين حتى نهاية فبراير/شباط2020م.

 

وسط التطورات العسكرية في المحافظات الثلاث تحدث المبعوث الأممي مارتن غريفيث والسفير البريطاني مايكل آرون أن "ستوكهولم" تجاوزه الزمن. و"أصبح هناك حاجة اليوم لاتفاق سياسي شامل يوقف الحرب في كل الجبهات وإن اتفاق ستوكهولم كان جيداً في وقته (..) الواقع تغير اليوم".

 

منذ البداية كان من الواضح أن الحوثيين لا يريدون التخلي على مدينة الحديدة ولا الموانئ لصالح قوات أمن غير مضمونة الولاء كما أن الحكومة اليمنية لن تثق حتى بالقوات التي كانت موجودة في عام 2014م.

 

ما يشير إلى أن تنفيذ "اتفاق الحديدة" كان بعيد المنال، هو عدم إحراز تقدم في التنفيذ على الرغم من استمرار لجنة إعادة الانتشار المشتركة في اجتماعاتها منذ مطلع 2019 على متن سفينة تابعة للأمم المتحدة في البحر الأحمر، بسبب عدم قدرة الطرفين على الوثوق ببعضهما لعقد اجتماع في مدينة الحديدة. 

 

في فبراير/شباط 2020 أعلنت الأمم المتحدة عن اتفاق الجانبين على خطة تفصيلية لإتمام أول عملية تبادل أسرى ومحتجزين، بمن فيهم جنود سعوديون وسودانيون. وينص الاتفاق الجديد على إطلاق سراح أكثر من 1400 من الأسرى والمعتقلين لدى الحكومة والحوثيين في المرحلة الأولى تتبعها جولات أخرى حتى الانتهاء من تبادل كافة الأسرى من الطرفين والذين يقدر عددهم بأكثر من 16 ألف أسير ومعتقل كان الطرفان قد تبادلا معلوماتهم بعد توقع الاتفاق. يستمر الطرفان في الاجتماعات بعمان -حتى كتابة هذا التقرير (3مارس /شباط2020). ورغم الآمال العالية من الطرفين بالتنفيذ وإمكانيته إلا أن فقدان الثقة بين الطرفين قد يعرقل إتمام الصفقة.

 

 بشأن "تفاهمات تعز" فلم يحدث أي تقدم لرفع الحصار الذي يفرضه الحوثيون على المدينة منذ مطلع 2016م. وتسبب ذلك بأزمة إنسانية لأكثر من 600 ألف نسمة بداخلها، يكافحون من أجل البقاء، وتنقل معظم المواد الغذائية عبر طرق فرعية وعرّة أو عبر طريق جبلية خطرة تربط المحافظة بمدينة عدن عاصمة البلاد المؤقتة، وتتعرض في العادة لقصف الحوثيين.

 

دفع عدم التنفيذ مبعوث الأمم المتحدة إلى التراجع عن استراتيجيته بحل الأزمة اليمنية وفق خطته "خطوة خطوة عبر عدة اتفاقات" للبحث عن اتفاق شامل بين الطرفين، لكن يبدو أنه سيجمع الكثير من الأطراف وليس الحوثيين والحكومة الشرعية وحدهما وهو ما دفع الحوثيين لتعزيز قوتهم ليظهروا كطرف مهيمن على أي مشاورات متوقعة.

 

ب‌.   اتفاق الرياض

بعد مشاورات سرية برعاية سعودية تم في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2019 توقيع اتفاق رسمي بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات بحضور الرئيس اليمني وولي عهد أبوظبي وولي العهد السعودي، لإنهاء حالة التمرد التي حدثت في أغسطس/آب2019 وسيطر حلفاء الإمارات بموجبها على محافظة عدن وأجزاء من محافظة أبين المجاورة بعد معارك مع القوات الحكومية. وفشلوا في السيطرة على محافظة شبوة الغنية بالنفط. ويتكون الاتفاق من أربع صفحات (ديباجة وثلاثة ملحقات سياسية واقتصادية، وترتيبات أمنية، وترتيبات عسكرية)، ويقوم الاتفاق وفق جدول زمني محدد يبدأ مع توقيع الاتفاق (الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني2019) وينتهي في (5فبراير/شباط 2020).

 

العناصر الرئيسية لهذا الاتفاق تتمثل في: نقل جميع العناصر المسلحة ومعداتها إلى مواقعها السابقة -أي أوائل عام 2019 – دمج جميع الأفراد العسكريين والأمنيين في وزارتي الداخلية والدفاع، وتشكيل حكومة جديدة لا يزيد عدد أعضائها عن 24 من بينهم 50٪ من الجنوبيين يوجد أكثر من نصف الأعضاء في الحكومة الحالية من جنوب البلاد.

 

ولم يتم تحقيق أي تقدم في الاتفاق على الرغم من الإشراف السعودي المباشر، ومن الصعب إخفاء أي تقدم في الاتفاق بالنظر إلى بنوده. وغادر "المجلس الانتقالي الجنوبي" من لجان سحب الأسلحة في فبراير/شباط2020. في وقت عاد فريق الحكومة إلى الرياض بعد أن مكث عدة أشهر في "قصر معاشيق" بعدن لعقد اجتماعات وصرف الرواتب للموظفين دون نزول إلى الأرض الذي يخضع بالفعل لسيطرة حلفاء الإمارات.

 

لماذا ينهار اتفاق الرياض؟!

- تنفيذ الاتفاق سيحتاج رغبة الإمارات العربية المتحدة الحقيقية في تنفيذ الاتفاق فهي المتحكمة بالفعل في "المجلس الانتقالي" ومليشياته التي تتلقى أوامرها من القيادة العسكرية الإماراتية. ومنذ توقيع اتفاق الرياض، لم تقدم أبوظبي أي تأكيدات أخرى لدعم الاتفاقية. كما أنها لم تقدم دليلاً على قيام قيادتها بالضغط على المجلس الانتقالي الجنوبي للامتثال لأحكامها.

- إن غياب الثقة بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، أحد الأسباب الرئيسية في انهيار ذلك الاتفاق الذي يعترف ب"المجلس الانتقالي" للمرة الأولى كمكون موجود على الأرض بموجب الاتفاق وهو ما ساهم في لقاءاته وتواصله مع الدبلوماسيين العاملين في اليمن.

- حادثة قصف "معسكر الاستقبال" في مدينة مأرب الذي أودى ب116 جندي من قوة اللواء الرابع حماية رئاسية، زادت من فقدان الثقة الحكومية بالتحالف و"المجلس الانتقالي الجنوبي". وكان هناك استفهام حول أسباب سحب منظومة الدفاع عن المعسكرات الحكومية، وفي الوقت الذي طالب وزيرا النقل والداخلية في الحكومة الشرعية بالتحقيق المستقل، في إشارة لم تخف اتهام واضح للتحالف والانتقالي بالوقوف وراء الهجوم، عبر قيادات "المجلس الانتقالي الجنوبي" ارتياحاً لاستهدف "المعسكر" التي كان من المقرر انتشاره في "مدينة عدن" وفق اتفاق الرياض.

- الاتفاق بجدوله الزمني، يفرط في التفاؤل رغم صعوبة تطبيقه على أرض الواقع. وعادة هذا التفاؤل المفرط مصاحب للإتفاقات المشابهة مثل "اتفاق ستوكهولم" و"المبادرة الخليجية 2011م". فمعظم الاتفاقات اليمنية المرتبطة بجدول زمني يصعب تنفيذها في نفس الوقت. ويكشف "اتفاق الرياض" مدى الحماس السعودي - ممثلاً بالأمير خالد بن سلمان (نائب وزير الدفاع مسؤول الملف اليمني) الذي قاد المشاورات - في تحقيق انتصار سريع.

- يبدو أن المعضلة الأساسية في الاتفاق متعلقة بالتفسير الذي حمل بذور فشله، كما حدث في اتفاق ستوكهولم بين الحكومة والحوثيين بخصوص اتفاق الحديدة (ديسمبر/كانون الأول2018). فالطرفان يفسران الاتفاق بما يخدم مصالحهما، فيما لم تقدم السعودية تفسيراً معلناً للاتفاق.

- عدم الثقة باللجان السعودية الميدانية: لا يثق الطرفان باللجان السعودية المشكلة ومن أبرز ما يشار إلى ذلك:

- ينص الاتفاق على تسليم المنشآت الحكومية إلى قوة حماية المنشآت لكن الفريق السعودي قام بتسليم المنشآت إلى "المنشآت التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي" – نفت قوات حماية المنشآت التابعة للحكومة تسلم أي منشآت حكومية. (منذ تأسيس المجلس الانتقالي قام ببناء مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة بما يشمل مجالس محلية و"برلمان" جمعية وطنية وهدد مراراً بإعلان وزارة دفاع).

- في مناسبات متعددة منعت القوات شبه العسكرية الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي اللجنة العسكرية السعودية من دخول معسكرات تابعة لها في مدينة عدن، كما رفضت تفتيش مخازن أسلحة. وفي حادثة واحدة على الأقل قام بعض المجندين بتهديد أعضاء اللجنة السعوديين بقذائف "آر بي جي" إذا حاولوا دخول معسكر يقع في "جبل حديد" وقالوا إنهم تلقوا أوامر المنع مباشرة من "عيدروس الزُبيدي" رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يلقبونه بـ"الرئيس القائد".

- في يناير/كانون الثاني 2020 أٌجريت تعديلات على الشقين العسكري والسياسي من اتفاق الرياض، وقال مستشار رئيس الجمهورية الدكتور أحمد عبيد بن دغر، (الذي جرى تعيينه على رأس لجنة حكومية لإعادة التفاهمات بشأن الاتفاق) إن التوقيع على مصفوفة الانسحابات المتبادلة وعودة القوات إلى مواقع متفق عليها، يضع اتفاق الرياض بين الشرعية والمجلس الانتقالي في مرحلة متقدمة على طريق التطبيق الشامل للاتفاق في شقه العسكري.

- قامت لجنة خاصة بحصر الأسلحة المتوسطة والثقيلة، في معسكرات مدينة عدن، وأبين، تنفيذاً لبنود اتفاق الرياض. وبحسب تقرير حكومي فإن اللجنة التي تتألف من تسعة ضباط عسكريين من السعودية والحكومة والمجلس الانتقالي، قامت بحصر القوى البشرية والأسلحة في معسكرات بدر واللواء الأول مشاة واللواء الثالث حماية رئاسية، بالإضافة إلى معسكر اللواء الأول حماية رئاسية في قصر معاشيق بعدن وعدد من الألوية والقوة العسكرية في محافظة أبين.

- بعد الإعلان عن توقيع تعديلات على اتفاق الرياض تفيد المعلومات بنزول اللجنة إلى "شقرة" و"جعار" و"زنجبار" في محافظة أبين وإلى معسكرات عدن بين (13-23 يناير/كانون الثاني2020) وحدث التالي:

- طلبت السعودية عودة الوحدات العسكرية التي أتت من مأرب والتي يبلغ عددها ٨٠ ضابطًا وجنديًا، وقوبل ذلك بالاستعداد للتنفيذ من قبل أركان محور أبين.

- في اليوم التالي14يناير/كانون الثاني2020: تحركت الوحدات التابعة للشرعية إلى شبوة، ومن ثم تحركت إلى مأرب. ومن جانب المجلس الانتقالي الجنوبي تحركت في نفس اليوم كتيبة إلى لحج.

- غيرت اللجنة التي تقودها السعودية مكان انتقال قوات لواء العميد عبدالله الصبيحي (القائد العسكري البارز الذي يدعم الرئيس عبدربه منصور هادي) إلى "حيفان" في تعز (وسط) بدلا عن حدود محافظة البيضاء (المجاورة لأبين). ويعتقد القادة العسكريون التابعون للحكومة أن تغيير مكان تموضع قوات لواء الصبيحي مع بقاء وحدات من الانتقالي مطلوب انسحابها، يشير إلى نية بتحركات مستقبلية في أبين وربما اتجاه شبوة لأن المكان الذي كان قد حدد مسبقا للواء الصبيحي هو على الحدود بين البيضاء وأبين، وهذا قد يكون أفضل من الناحية التكتيكية، لأنه في حال كانت هناك تحركات عسكرية مخلة بالاتفاق سيكون من السهل العودة والتحرك إلى أبين. ولكن تحديد حيفان يمثل إعاقة لقوات اللواء وتحييده عن التأثير في الصراع لأن "معسكري لبوزة والعند" في لحج تتموضع فيها قوات المجلس الانتقالي حيث تفصل بين لواء الصبيحي وعدن. وقد يدفع ذلك الحكومة لرفض النقل.

 

- لا يمثل "المجلس الانتقالي الجنوبي" الأطراف الجنوبية بما فيها تلك التي تطالب بانفصال جنوب اليمن. وعقب الاتفاق رفضته العديد من المكونات الجنوبية بما في ذلك انعقد "الائتلاف الوطني الجنوبي"، و"مجلس الإنقاذ الجنوبي"، إضافة إلى رفض "مؤتمر حضرموت الجامع" وقبائل المهرة وسقطرى.

 

إن التصعيد العسكري الحوثي في محافظات شرق اليمن يهدد "محافظة شبوة" المجاورة لمحافظة مأرب، كما يهدد بوصولهم إلى "وادي حضرموت"، ويجعل من وصول مسلحيهم إلى "المحافظات الجنوبية" أسرع بكثير من الجبهات الأخرى في محافظة البيضاء التي تحد "مأرب، وأبين، وشبوة". أو من محافظات "لحج" و"الضالع" حيث تعاني جماعة الحوثي من الوصول إلى المحافظات الجنوبية. كما أن عدم الثقة المتبادلة بين القوات الحكومية والمجلس الانتقالي الجنوبي يجعل من الدفع بالقوات الموجودة جنوب البلاد والتي تزيد بكثير عن 100 ألف مقاتل للطرفين صعباً إذ سيخشى كل طرف سيطرة الأخر على المواقع التي تحت يديه، ما يهدد بالفعل بقاء "اتفاق الرياض" ويخلق معادلة جديدة يظهر فيها التحالف الذي تقوده السعودية وحلفاؤه المحليين في وضع حرج قد يجبر السعودية على التفاوض مع الحوثيين تحت شروط وهيمنة حوثية. بعكس ما كانت تريده المملكة بدفع الحوثيين إلى المشاورات تحت الضغط العسكري لتحقيق استجابة حوثية للشروط السعودية.

 

كما أن "اتفاق الرياض" ينص على أن يكون للمجلس الانتقالي الجنوبي ممثلين في "أي مشاورات سلام شاملة" مع الحوثيين، لكن انهيار الاتفاق يجعل من تمثيلهم في أي مشاورات تقودها الأمم المتحدة غير ممكناً من وجهة نظر الحكومة اليمنية التي تشترط تنفيذ متسلسل للاتفاق.

 

ج. مفاوضات الحوثيين والسعودية

بعد نحو أسبوع من الغارات التي استهدفت "أرامكو" في بقيق (14 سبتمبر/أيلول2019) واتهام إيران بالضلوع في العملية من قِبل السعودية والولايات المتحدة؛ أعلن الحوثيون عن مبادرة من طرف واحد تنص على وقف الجماعة للهجمات بطائرات دون طيار والصواريخ الباليستية على المملكة العربية السعودية، مقابل وقف السعودية للحرب ووقف ما أسموه "الحصار" في إشارة إلى آلية الأمم المتحدة للتفتيش التي نص عليها القرار (2216).

 

جرت المشاورات بصورة غير مباشرة تحت رعاية أمريكية وعُمانية، على إثر ذلك:

- تباطأت الغارات الجوية أو توقفت إلى حد بعيد في معظم مناطق الشمال حيث يتواجد الحوثيون.

- أوقف الحوثيون بالفعل الهجمات على السعودية.

- أطلق الحوثيون 290 من المعتقلين والأسرى بينهم سعوديون.

- أعادت السعودية فتح مطار صنعاء الدولي لمغادرة المرضى. وجرى تسهيل مرور السفن إلى ميناء الحديدة حيث تم إنقاذ مناطق الحوثيين من أزمة مشتقات نفطية خانقة في نوفمبر/تشرين الثاني2019م.

دخول السعودية المفاوضات مع الحوثيين كان أبرز حدث خلال أعوام الحرب الماضية، وتهدف السعودية للتوصل إلى “تهدئة دائمة” على الحدود وبعض المناطق فيما يرى الحوثيون ضرورة الوصول إلى “حل شامل” يوقف التدخل السعودي الداعم للحكومة الشرعية ويعترف بالحوثيين كطرف أقوى. وتحدثت مصادر أن السعوديين يريدون وقف إطلاق النار في أربع مناطق بينها العاصمة صنعاء.

 

ونتيجة لتباعد الأهداف بين الطرفين، هدأت المشاورات بين الحوثيين والسعودية في سلطنة عمان خلال ديسمبر/كانون الأول2019 وعاد الحوثيون إطلاق الصواريخ الباليستية على السعودية. وتزايدت الهجمات الحوثية على الحدود. وأعلنت السعودية عن مقتل 11 جندياً خلال الأسبوعين الأولين من ذلك الشهر. لتعود المفاوضات مجدداً في يناير/كانون الثاني2020م لكن يبدو أنها توقفت ايضا، حيث عاد الحوثيون لاستهداف السعودية بشكل أعنف ووصول الصواريخ مجدداً لمنشآت النفط السعودية في "ينبع".

 

اندفع الحوثيون نحو "نهم" و"الجوف" و"مأرب" مع توقف تلك المشاورات، يحاول الحوثيون دفع المملكة العربية السعودية إلى التفاوض باسم الحكومة اليمنية ومستقبلها وهو أمر استمر السعوديون رفضه خلال تلك المشاورات الخلفية التي استمرت أسابيع.

 

يندفع المجتمع الدولي بما في ذلك بريطانيا حاملة قلم اليمن في مجلس الأمن، إلى إعادة تنشيط تلك القناة في ظل مجيئ سلطان جديد لسلطنة عمان. وزار وزير الخارجية البريطاني دومينك راب مطلع مارس/أذار2020 السعودية وسلطنة عمان للقاء المسؤولين اليمنيين والعُمانيين والسعوديين في محاولة لإعادة تفعيل تلك المشاورات الخلفية في ظل تهديد الحوثيين لأخر معاقل الحكومة شرق البلاد.

 

يعتقد المسؤولون السعوديون أن المهم الآن هو "حماية حدودها وأراضيها وتحسين اقتصادها" فيما يبدو أنه توجه نحو الأولويات الداخلية. وتندفع بذلك الحكومة السعودية نحو استجابة للأوضاع السياسية والاقتصادية التي تمر بها المملكة بسبب انخفاض أسعار النفط وحالة من الركود الاقتصادي الذي يتضرر فعلاً بهجمات الحوثيين. وبالنسبة لموقفها من الحكومة اليمنية فيعتقد السعوديون أن هناك حاجة لتحقيق الاستقرار في اليمن "عبر حكومة يمنية تدير مؤسساتها وتحمي حدودها وأراضيها". وهو تغيّر عن إجابات سابقة سعودية بتحديد الحكومة الشرعية كشرط الدعم الأساسي لها. لا تريد السعودية استخدام الأراضي اليمنية من قِبل إيران أو دول أخرى بشكل مباشر أو غير مباشر لتهديد أمنها أو أمن ممر التجارة العالمي عبر البحر الأحمر. لكن حتى لو وعد الحوثيون بوقف التعاون مع إيران فمن الصعب أن تجد السعودية أداة قياس جديدة تمكنها من قياس مدى ابتعاد الحوثيين عن النظام الإيراني الذي يعتبر الحوثيين أحد أدواته.

 

- نقلاً عن مركز أبعاد للدراسات والبحوث


Create Account



Log In Your Account