11 فبراير .. بين تطلعات الثورة وحسابات السياسة
الجمعة 11 فبراير ,2022 الساعة: 08:14 مساءً

ماهية الثورة الفبرايرية:

لقد أيقظتْ ثورة 11 فبراير الشعبَ من رُقادِهِ، وأعادتْ الاعتبار للذَّات الجمعيَّة بعد أنْ رانَ عليها الهوان والشعور بالانكسار والعجز. وأثبتت أنَّ الشعبَ أكبر من كلّ التوقعات والرهانات الخائبة، فقد كسر حاجزَ الصمت وحطَّم جدارَ الخوف.

إنّ الثورةَ فعلٌ تجاوزيٌّ لكلِ مظاهر اليأس والعجز والسلبيّة، فقد "رممت النفوس المنكسرة المترعة بالتشاؤم والقنوط والتذمر والخراب النفسي والوجداني وأشعلت في [النفوس] شمعة أمل للخلاص من الكبت والظلم والاعتساف ومشارب الحرمان والرقابة البوليسية البغيضة التي تكبح العقلية الحرة المبدعة وتفسد اليقظة الذهنية والجسدية والروحية للشعوب." [1]

انبلجتْ الثورةُ في لحظة انفجار التناقضات ووصول الأزمة (التراكمات الكميّة الداخليّة) ذروّتها، وهي لحظة فارقة، حيث لا يستطيع الحاكم أن يستمر في حكمه بنفس الأدوات والآليات القديمة، وفي الوقت نفسه، لا يستطيع الشعب التكيُّف أو الاستمرار في العيش بالوضع القائم.

لم تكنِ الثورةُ، إذن، وليدةَ الصدفة أو ظاهرة طارئة، بل نِّتاج عمليّة تراكميّة وعوامل موضوعيّة، وهي وإنْ كانت مفاجئة في توقيتها، إلا أنّ نشوبها كان تعبيراً صارخاً عن وصول المجتمع إلى ذروّة التأزُّم التي يغدو معها العودة إلى الخلف أو الاستمرار على نفس الوتيرة ضربٌ من المُحال.


العوامل والدوافع التي أفضت إلى اندلاع ثورة فبراير:

في الواقع ثورة 11 فبراير جاءت تتويج لمسار نضالي اختطه الشعب اليمني ضد نظام سياسي مارس العسف والظلم والإقصاء بحق الشعب.

ثورة فبراير لم تكن صدفة؛ بل هي فعل موضوعي ناجم عن عوامل تضافريه عديدة؛ نوجز أهمها:


العوامل الاقتصادية:

كانت اليمن قبيل اندلاع الثورة تصنف عالمياً من بين البلدان الهشة. هذا التصنيف لم يأتِ من فراغ وإنما كان نتيجة السياسات النيوليبرالية الفاسدة التي انتهجتها الطبقة الطفيلية المسيطرة التي أصبح بفعلها اكثر من نصف السكان يعانون من الفقر والبطالة وسوء التغذية. فضلاً عن تغلغل الفساد في مختلف مؤسسات الدولة ومختلف مناحي الحياة بحيث أصبح الفساد بمثابة هوية للنظام السياسي ونهجاً معتمداً وفي هذا المطاف تحضرني مقولة عبدالقادر باجمال رئيس الوزراء الأسبق (الفساد ملح التنمية)

لقد باتت الطبقة المسيطرة المؤلفة من قيادات عليا في الدولة وبعض مشائخ القبائل ورجال دين وقيادات عسكرية تحتكر السلطة والثروة وتفرض سيطرتها المطلقة على الاقتصاد الكلي وتنعم بخيرات البلاد وتتحالف مع الرأسمالية العالمية والشركات الأجنبية ضداً على مصالح الشعب ولعل صفقة بيع الغاز لشركة كورية جنوبية- فرنسية وصفقة تأجير ميناء عدن لشركة ميناء دبي تمثل نموذجين عن حالة الفساد والصفقات المشبوهة التي قام بها النظام السابق.


العوامل السياسية وتتمثل ب:

1- سعي النظام إلى توريث الحكم وهذا قد أحدث نوعاً من جرح كرامة الشعب وكبريائه؛ حين ظن النظام ان بمقدوره ان يورث البلاد والعباد إلى نجله!

2- صراع الأجنحة في بنية النظام؛ إذا باتت المصالح المتضاربة تطغى على العلاقات التحالفية لأجنحة النظام بعد أن اقدم المخلوع صالح على تركيز السلطة في يده وفي يد العائلة والدائرة الضيقة المحيطة به وبالتالي إقصائه لحلفائه التاريخيين ابتداء من 1997م.

3- انتهاج سياسة إدارة البلاد بالأزمات والحروب.. ولعل حروب صعدة وغيرها تمثل نموذج ساطع.

لقد بات النظام يعاني من أزمة بنيوية فعلية فقد معها القدرة على الاستمرار بالحكم بنفس الآليات القائمة وفي المقابل وصل الشعب إلى مرحلة لم يعد بمقدوره العيش بالوضع القائم وحينها انفجرت هذه التناقضات في صورة ثورة شعبية عارمة.

وهناك العديد من العوامل الأخرى التي لا يتسع المقام ولا الوقت لذكرها

لقد انتفض شعبنا اليمني كالعنقاء من تحت ركام القهر والجوع والفقر والخوف والحرمان الإنساني وافصح عن عبقرية كبيرة في منازلة نظام قمعي عمل خلال سنوات حكمه الطويلة على إقصاء الشعب وامتصاص ثرواته ومصادرة حقوقه.

الدلالات والأبعاد الوطنية والعربية والعالمية لثورة فبراير:

من الدلالات الوطنية أن جسدت ثورة فبراير الإرادة الشعبية حيث الشعب هو مصدر السلطة وصاحبها.

ومثلت حالة وطنية مميزة فقد أعادت الثورة الروح إلى جسد الوحدة الوطنية بعد أن أحدثت فيها الطغمة المسيطرة خراباً وأثخنتها بالجراح.

لقد اصطف اليمنيون في مختلف ساحات الثورة على امتداد الرقعة الوطنية شمالاً وجنوباً ضد نظام مارس عليهم صنوف العسف والقهر.

لقد عكست الثورة في خطابها وشعاراتها تطلعات الإنسان اليمني نحو العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية وبناء نظام ديمقراطي عادل ورشيد.

وهذه الشعارات الثورية عبرت عن الروح الجماعية والتضامنية لليمنيين وتجاوزت الانتماءات التقليدية والهويات الصغيرة باتجاه تخليق هوية وطنية جامعة لكل اليمنيين.. اي أن الثورة كانت فرصة لولادة جديدة للشعب/ الأمة بدلالتها المعاصرة المتجاوزة للعصبيات الطائفية والمناطقية والقبائلية والفئوية.

هذه المعاني والدلالات لم يكتب لها الاستمرار بفعل تعثر المسار الثوري وبروز الثورة المضادة.

الدلالات والأبعاد العربية:

ثورة فبراير جاءت في خضم حالة ثورية اجتاحت العالم العربي منذ ان شعل البوعزيزي شرارة الثورة في مدينة سيدي بوزيد التونسية وما هي إلا أيام حتى انتشرت تلك الشرارة كالنار في الهشيم.

لقد توحدت الشعوب العربية في فعل تاريخي ملفت للنظر أعاد للأذهان حقبة الاستقلال الوطني من الاستعمار في خمسينات وستينيات القرن المنصرم.

لقد عكست الثورات العربية واقع القهر والمرارات التي تعيشها الشعوب وأزمة النظم الحاكمة وفسادها وانكشافها.

أما الدلالات والأبعاد العالمية فقد جاءت ثورة فبراير ككل ثورات الشعوب العربية والانتفاضات التي تجتاح أصقاع الأرض انعكاس للأزمة البنيوية الجذرية للرأسمالية العولمية والتي أخذت تعبيرات كثيرة منها على سبيل المثال: الأزمة المالية العالمية عام 2008 التي كشفت عن هشاشة النظام الاقتصاد العالمي الذي يقوم في طوره العولمي على ما يسميها د. سمير أمين(الامولة) أي الارتكاز إلى المضاربات النقدية والعقارية كبديل عن الاقتصاد الحقيقي المتمثل بالصناعة والزراعة.

إن العالم يشهد منذ بداية الألفية الثالثة موجة ثورية معممة وقد شاهدنا تعبيراتها في اكثر من بلد حتى في عقر دار الرأسمالية مثل حركة احتلوا وول ستريت في نيويورك وانتفاضة السترات الصفراء في أوروبا وحركات الاحتجاج العمالية والنسوية ومناهضي العولمة وانصار البيئة والسلام في اكثر من بلد وقارة في أمريكا وأوروبا وآسيا...الخ.

 إننا بلا شك نشهد خريف الرأسمالية ولكن في المقابل لم يتبلور بعد البديل التاريخي العالمي ما يعني أن أزمة العالم ستستمر في المدى المنظور وربما سنشهد استعادة لنظم شعبوية وحركات فاشية!

أهم القوى الإجتماعية التي فجرت ثورة فبراير:

هناك الكثير من القوى التي فجرت ثورة فبراير لكني سأركز على 3 قوى رئيسية هي:

أولاً: العمال:

كان العمال في طليعة الثورة الشعبية وقد مثلوا العمود الفقري للثورة ولم يكن هذا بالشيء الغريب.. فالحركة العمالية اليمنية ثورية بطابعها ولها إرث نضالي تاريخي زاخر بالبطولات والأمجاد الثورية والوطنية.

لقد اكتوى العمال بسياسة الإفقار والإقصاء والتسريح التي انتهجها النظام الفاسد.

فعلى سبيل المثال: قام النظام السابق بتسريح 60 ألف عامل وموظف من عمال وموظفي القطاع العام بعيد حرب 1994 الظالمة ناهيك عن قيام النظام بنهب وبيع ما يزيد عن 70 مؤسسة إنتاجية من مؤسسات القطاع العام من مصانع ومزارع وتعاونيات ومنشآت خدمية... الخ.

وهناك مشهد آخر يكشف مدى السياسة الافقارية والإقصائية والاستغلالية بحق العمال.. والمتمثلة بأوضاع عمال القطاع الهامشي.

إذ يمثل هؤلاء النسبة العظمى من الحركة العمالية وهؤلاء يتوزعون في قطاعات وأنشطة مختلفة مثل: البناء والتجارة والورش وأعمال الصيانة والكهرباء والسباكة والحدادة والنقل والباعة المتجولين والعمال المياومين (عمال الأجر اليومي) وعمال الخدمات في المطاعم والبوفيات والفنادق وسائقو مركبات الأجرة والحمالين والصيادين.... الخ

هؤلاء العمال يعانون من ظروف عمل قاسية فلا يوجد قانون ينظم عملهم وعلاقتهم برب العمل لا توجد عقود عمل مكتوبة بين العامل وصاحب العمل .. ولا توجد نقابات تعبر عنهم وتدافع عن حقوقهم

ويعمل هؤلاء في ظل ظروف قاسية فلا توجد ادنى شروط السلامة المهنية والصحية والجسدية.

كما يعملون ساعات عمل طويلة تتراوح ما بين 8 إلى 13 ساعة في اليوم وفي مقابل كل ذلك يحصلون على أجور زهيدة.

لقد كانت مجمل هذه الأوضاع القاسية التي يعانيها العمال دافعاً لانخراطهم في الثورة.

ثانياِ : الطلاب والشباب:

الطلاب والشباب فئة اجتماعية تكتنز في داخلها طاقة إنسانية خلاقة وغالباً تنزع إلى حب المغامرة والتطلع إلى كل ما هو جديد.

مثّل الشباب والطلاب طليعة الثورة فهم من أطلقوا شرارتها وكانوا وقودها الحارق ولم يقتصر دورهم عند هذا المستوى فقط؛ بل تحملوا عبء القيادة والتنظيم واستقطاب طبقات الشعب الأخرى وتعبئتها وتحشيدها لإسقاط نظام الاستبداد والفساد ونشدان الدولة العادلة.

لقد كان الدافع وراء انخراط فئة الطلاب والشباب في الثورة هو وقوعها ضحية الاستبعاد الاجتماعي

ونعني ب الاستبعاد الاجتماعي أي حالة الإقصاء والتفرقة الاجتماعية وعدم المساواة التي يعانون منها وعدم الاعتراف بحقوقهم الأساسية وعدم تمكينهم من المشاركة في الحياة العامة.

مثل الشباب والطلاب محور الاحتجاج الشعبي وبفعل ذلك اتسع نطاق العمل السياسي وارتفع منسوب الوعي الاجتماعي تجاه القضايا العامة وكُسِرَ طوق الاحتكار الذي لازم المشهد السياسي اليمني طوال سنوات عديدة حيث ضلَّ محتكرا بيد السلطة ونخب سياسية شائخه وأحزاب تقليدية كشفت الوقائع والأحداث عن عجزها وفضحت عمق أزمتها.

ثالثاً: المرأة:

حضرت المرأة كلاعب رئيسي في الثورة ومارست أدوار قيادية فقد قادت لمسيرات الثورية وحققت إنجازات كبيرة.

إن مشاركة المرأة في الثورة إنما جاء تعبيراً حالة انتفاضة على واقعها وعلى النظام السياسي والاجتماعي الذي كبّلها بكثير من القيود والأغلال في ظل مجتمع تهمين عليه الثقافة الذكورية ونظام سياسي يُقصي المرأة والرجل على السواء من الحياة العامة.

من خلال الثورة حققت المرأة اليمنيّة ذاتها واستطاعتْ أن تكون حقيقة من حقائق السياسة في اليمن ورقماً يصعب تجاوزه.


أبرز العوائق التي واجهت ثورة 11 فبراير:

لقد واجهت ثورة فبراير العديد من المصدات والعوائق ويمكن تصنيفها على النحو الآتي:

1- العوائق الذاتية:

وهذه العوائق تتعلق بقوى الثورة فقد افتقدت هذه القوى للفكر العلمي الثوري الذي انعكس بدوره في الافتقاد للرؤية والبرنامج والعمل المخطط.. ف( لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية) كما يقول لينين.. إن هذا الامر مثل كعب اخيل الثورة ومنه تناسلت أخطاء الثورة وتسلل الانتهازيون والقوى المضادة للسيطرة على مشهد الثورة وحرفها عن مسارها الشعبي الى مسارات اخرى.

2- العوائق الموضوعية:

وبينما افتقر الشباب للرؤيّا الواقعيّة للتعاطي مع الثورة، فقد تعاطتْ النُّخب السياسيّة مع الثورة بوصفها "أزمة سياسية"؛ حيث تفاجأت الأحزاب السياسيّة ـ في البدء ـ بالثورة، فلم تتوقع أن يحدث كل هذا، وعلى ذلك النحو من الشمول والحيويّة، الأمر الذي ألقى بظلاله على موقفها من الثورة وتذبذبها في الانضمام كليّة إليها في بادئ الأمر، ومن ثمَّ انسحب على أدائها السياسيّ طوال مسار الثورة وافتقارها إلى إستراتيجيّة وطنيّة واضحة لما بعد الثورة.

لقد عانت الأحزاب التقليديّة من حالة انفصال عن الواقع، يضاف إليها إشكالاتها الداخليّة المتمثلة في انعدام الآليات لاستيعاب شروط الديمقراطيّة الداخليّة، فضلاً عن غياب العمل المؤسسيّ الذي بـِمُسْتطاعِهِ أنْ يقرأ حركة الواقع والمجتمع؛ لذا لم تستطع أنْ تلحظَ التحوّلات وحجم المعاناة التي وصل إليها الشعب، والتي كانت تهيئُ لاندلاع ثورة، وهو ما يُفسّر حالة الحنق والاستيّاء الذي انتاب الشباب تجاه الأحزاب، بل إنّ المُغالين منهم كان يعتبر أنّ الأحزاب هي الوجه الآخر للنظام!

وهنا تقتضيّ الموضوعية القول: إنّ النظامَ وأجهزته الأمنيّة تمكَّن من اختراق الشباب منذ الأيام الأولى للثورة، وعمل على زرع الشقاق والتنابذ فيما بينهم البين، تحت يافطة التمييز بين شباب مستقل وشباب متحزّب، وبالتالي بينهم وبين الأحزاب السياسيّة. ولقد غذَّى هذا المَنحى في التعاطي بعض التصرفات والسلوكيّات التي مارستها بعض القوى السياسيّة والتي اتّسمت بفرض هيمنتها وخطابها الأحادي على ساحات الثورة، بل والتحكّم بحركة الثورة من خلال حجز المحتجين في ساحات مغلقة لا تتعدى مئات الأمتار، ومحاولتها إثناءهم عن الخروج بمظاهرات في الشوارع للتعبير عن مطالبهم وإيصال صوت الثورة إلى الشعب.

وكذلك قيام تلك القوى بتخفيض سقف الثورة برفع مطالب شكليّة كـ "إسقاط الرئيس" بدلاً من "إسقاط النظام". ناهيك عن التحاق (علي محسن) والفرقة الأولى مدرع إلى الثورة بُعيد جمعة الكرامة، والذي دفع بالمخاوف من اختطاف الثورة إلى السطح، وهو ما ألقى بظلالِهِ القاتمة على مسار الثورة ووحدة قواها.

لقد كان لجملة تلك الأخطاء تأثيراتها السلبيّة على الثورة، فتحوّلت بفعل المبادرة الخليجيّة  إلى "أزمة حكم"، والتي بمقتضاها مُنح المخلوع صالح صكّ الحصانة في مقابل قيامه بتسليم السلطة، لكنه لم يسلّمها إلا شكلياًّ. فعلى الرغم من أنّ الحكومة تشكّلت مناصفة بين النظام السابق وقوى الثورة ممثلةً بأحزاب اللقاء المشترك، إلا أنّ الدولة العميقة بأجهزتِها الأمنيّة والعسكريّة والتشريعيّة والقضائيّة والإعلاميّة وغيرها ظلَّت بيد المخلوع صالح؛ ما أَمْكَنه من لعب دور تقوّيضيّ للمرحلة الانتقاليّة.

في المُجمل يمكن القول: إنّ عمليّة التغيير قد افتقدت "إلى القوى الداعمة، بانصراف هذه القوى عن بعضها البعض في وقت مبكر من عملية التحول، بينما اعتمد النظام القديم بقيادة علي عبدالله صالح وعائلته استراتيجية إفشال التغيير استعداداً لثورته المضادة والزج بالبلاد في حرب أهلية تحرق الأخضر واليابس، وتمكن من تحقيقها بسبب استمرار النظام القديم دونما تغيير حقيقي والأهم والأخطر عدم نقل السلطة فعلياً، إذ واصل ذلك النظام وجوده من خلال مجلس النواب، ومجلس الشورى، والقضاء، والمؤسسات العسكرية والأمنية بعقيدتهما غير الوطنية، والسلطة المحلية، وكافة أجهزة الدولة الأخرى، وما تم نقله من السلطة كان مجرد نقل جزئي شكلي وبسيط، من خلال مشاركة القوى الداعمة للتغيير بنصف الحكومة وتولي نائب الرئيس ثم الرئيس الانتقالي لرئاسة الدولة مع استمرار الرئيس السابق في صدارة العملية السياسية ورئاسة الحزب الحاكم، علاوة على انخراط الحركة الحوثية المسلحة في العمل السياسي دون تخليها عن السلاح والدعم الخارجي بالمال والسلاح."[2]

لقد دخلت الثورةُ في حالة جمود طويلة، نتيجة عجزها عن مواجهة التعقيدات والمَصدَّات التي اعترضت طريقها. وعلى الرغم من أنَّ مؤتمر الحوار الوطني المُنعقد في الفترة من 18 مارس 2013-25 يناير 2014م، قد نَفَخَ في جسدِها الروح؛  بتضمين وثيقة مخرجات الحوار الوطنيّ مطالب الثورة وتطلعات الشعب في العيش الكريم وبناء الدولة الاتحاديّة الديمقراطيّة؛ غير أنّ استمرار فشل الحكومة والرئاسة في تلبية متطلبات الناس، وإضافة أعباء على كاهلِهم بإقرار "الجرعة السعريّة" قد أدخل قطاعات شعبيّة كبيرة في حالة إحباط، سرعان ما استفادت منه الثورة المضادة ممثلةً بتحالف المخلوع صالح والحوثي.

والمتمثلة بممارسات النظام القديم وقيامه بالتحضير لثورة مضادة عبر التحالف بين صالح والحوثي هذا التحالف الذي كان على رأس أهدافه هو إجهاض ثورة فبراير واستعادة الحكم المسلوب بحسب ادعاءات هذا التحالف الرجعي.

3- عوائق خارجية:

تمثلت بالدور الذي لعبه الخارج في لجم الربيع العربي واحتواءه وقد لعب الإقليم (دول الخليج) دور بارز في احتواء الربيع اليمني عبر المبادرة الخليجية التي تحولت الثورة بمقتضاها إلى أزمة حكم وضمنت للنظام القديم نصف الحكومة وكل مؤسسات الدولة العميقة.

وقد استمر هذا الدور وصولا إلى ما هو ماثل اليوم من الحرب المدمرة وتحول اليمن إلى ساحة مفتوحة لصراع الأجندة الخارجية التي تتكالب على البلاد.. والمتمثلة بإيران والسعودية والإمارات وقطر وتركيا وأمريكا وبريطانيا وغيرها من الدول.

لقد نتج عن الحرب مآلات كارثية وباتت البلاد مستباحة وفاقدة القدرة على التحكم بمصيرها لقد أمست رهينة للخارج وللوكلاء المحليين وتجار الحروب.

وإزاء ذلك كله.. أرى انه لابد بادئ ذي بدء العمل على إيقاف الحرب المدمر والعودة إلى العملية السياسية.. لقد بات من الأهمية بمكان إنهاء الحرب والشروع في بناء السلام المنشود لإنقاذ البلاد من التشظي والتفكك.. وبرأيي أن هذه المهمة هي من صلب المهام الوطنية الملقاة على عاتق قوى الثورة والأحزاب الوطنية.

لا تزالُ الثّورةُ قائمةً ومستمرةً حتى اللحظة، ولا يمكن لجذوتِها أنْ تَخبو أو تَهمد، فالثورةُ [لا تموت لأنها ليست من صنع فرد واحد أو مجموعة من الأفراد، بل هي نتاج جهد شعب وعبقرية مجتمع. فالمبادئ والأفكار التي ترفعها الثورة ليست من اختراعها، ولكنها تعبير عن تراكم الخبرة التاريخية للشعب. والشعب يُقبل على هذه الأفكار ويتمسك بها لأنه يجدها ممثلة لحاجاته وتطلعاته، فالأفكار تنتشر بين الناس ـ كما يؤكد علم اجتماع المعرفة ـ ليس لتناسقها المنطقيّ وتماسكها المعرفيّ ولكن لأنّها تلبي حاجات اجتماعيّة ونفسيّة لديهم أو تعبّر عن تطلًّع يشتاقونّ إليه، وهذا هو سرّ ارتباطهم بها."[3]

ختاماً: ينبغي القول بأن المطلوب اليوم هو الاستمرار في النضال من أجل تحقيق برنامج الثورة، والمجسد في مخرجات الحوار الوطني، باعتبار هذه المخرجات هي طريق اليمنيين للخلاص من كل مشاكلهم وبناء مستقبل يتحقق فيه العيش الرغيد والحرية والسعادة الوطنية.

 

الهوامش:

[1] د. سمير عبدالرحمن هائل الشميري، سوسيولوجيا الثورة الشعبية اليمنية، ص71.

[2] د. محمد المخلافي، اليمن بين الثورة والثورة المضادة، الحلقة الأولى، موقع الاشتراكي نت، متوفر على الرابط التالي: .....

[3] علي الدين هلال، هل تموت الثورات؟، مجلة المستقبل العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد ()، .

 

*نقلًا عن صفحة الكاتب في فيسبوك


Create Account



Log In Your Account